لم تتردد محكمة أثينية شهيرة في الإعلان ذات يوم « أن التي لا تظهر رغبة في إرضاع وليدها لا تستحق لقب أم « . وحكاية الوالدتين اللتين اقتيدتا أمام محكمة سبارطة لامتناعهما عن إرضاع وليديهما معروفة ومشهورة . إن مثل هذه الأخبار غير واردة بالطبع في أيامنا هذه فالإرضاع لم يعد قضية يأمر بها القانون ويعاقب التي تتقاعس عنها ليصبح نوعاً من الواجبات النوافل والتي ترفضه لا تعاقب ، والأفضل مكافأة اللواتي يسرن حتى آخر الشوط مع نوازع الأمومة فيهن وهي خير وأبقى . والإرضاع من لدى الأم ما يزال يجد الكرامة التي كانت له في عيون أجدادنا . ونحن لا يسعنا إلا الابتهاج به . والواقع أن مثل هذا الإرضاع يستحق كل تقدير وكل حرص ، لأنه يقدم خدمة كبرى لصحة الوليد ولصحة الأم في آن واحد . إن حليب الأم يفي تماماً بالاحتياجات الحقيقية للرضيع . أضف إلى ذلك أنه يحمي الرضيع من كل هجوم متوقع للميكروبات . والواقع أن هذا الحليب الذي يكون بمنجاة من كل تلوث سواء أثناء نقله أو تعبئته في الزجاجات أو نقص تعقيمه ، يحمل إلى الطفل جميع خصائص الدفاع ضد الالتهابات بما فيه من الأجسام المضادة الذي ينتجها جسم الأم . وحيث ان حليب الأم يتمتع بخصائص فريدة ومكونات قد لا توجد في أي حليب آخر فإنني سألقي الضوء على مكونات حليب الأم قبل الخوض في ماذا تأكل المرضع . حليب الأم يحتوي على حوالي 3,6% دهون وحوالي 1,2 بروتينات وحوالي 6,4 سكر اللاكتوز وعلى 2,% معادن وعلى 88,6 ماء . إن حليب الأم غني بحمض لينولنيك إذ تصل نسبته 5-3 مرات تلك الموجودة في حليب البقرة والناقة وإليك نسبة الأحماض الدهنية المشبعة بالهيدروجين في حليب الأم . حمض بالمتيك 26,7% وحمض الأستيريك 8,3% وحمض المرستيك 7,9% وحمض اللوريك 4,7% أما الأحماض غير المشبعة بالهيدروجين فهي حمض أولنيك 37,4% ، حمض لينولنيك 10,6 % وحمض لينولينيك 85,% وحمض أراكيدونيك 6,% وحمض دوكوهكساينويك 8,% . يمتاز حليب الأم بمعدل عال لنسبة الحموضة الدهنية اللامشبعة إذ يصل هذا المعدل إلى 3 أضعاف تلك النسبة في حليب البقرة . إن النسبة العالية من الحموض الدهنية اللامشبعة بالهيدروجين والموجودة في حليب الأم تساعد بصورة كبيرة في إحداث النمو الكامل والأمثل لكل أدمغة وشبكيات عيون الرضع . وإضافة لذلك فإن حليب الأم يحتوي على نسبة عالية من حمضي لينولنيك ودوكوساهكساينويك والتي يمكن تحويلها بسهولة في كل من معدة وأمعاء الرضيع إلى مواد البروستغليندينات التي تعمل على تنظيم إفرازات المعدة وتسهيل حركة الأمعاء وتنظيم سريان الدم عبر الأوعية الدموية للأعضاء المختلفة . ونلاحظ أن نسبة البروتينات في حليب الأم ثلث تلك الموجودة في ألبان البقرة والناقة . وإذا نظرنا إلى سكر اللبن في حليب الأم فنلاحظ أنه أعلى مقارنة بالحلائب الأخرى وهذا النوع من السكر يمد جسم الرضيع بالطاقة . كما أن الكالسيوم والفوسفور وهي من المعادن الهامة ونسبة هذين المعدنين تغطي احتياجات الرضيع حتى شهره السادس . كما يحتوي حليب الأم على الحديد والذي يلعب دوراً أساسياً في تصنيع الهيموجلوبين . أما معدن المغنسيوم فهو يوجد في حليب الأم بما يغطي احتياجه الفعلي حتى نهاية عامه الثاني والمغنسيوم يساعد على بناء الأسنان والعظام وتنشيط الأعصاب وبعض العصبونات والأنزيمات مثل أنزيم بايروفوسفتير غير العضوي والموجود في كل من الكبد والدماغ وكريات الدم الحمراء وتنشيط أنزيم البروتيز وتنشيط بعض الأنزيمات المساعدة في تركيب بعض قواعد الأحماض النووية Nucleic acids . بالإضافة إلى ذلك يحوي حليب الأم على معدن النحاس والذي يحتاجه الرضيع حتى نهاية عامه الثاني وهو يساعد على تنشيط بعض الأنزيمات الناقلة للأكسجين كما ويدخل بكميات قليلة في تركيب كريات الدم الحمراء والعظام والأسنان والشعر والأظافر . الرضاعة الطبيعية خدمة كبرى للجميع كما يحتوي حليب الأم على البوتاسيوم والذي يحتاجه الرضيع إلى نهاية عامه الثاني والبوتاسيوم مهم جداً لتنظيم عمل كل من الأعصاب والعصبونات والقلب والعضلات والكلى والخلايا الأخرى وللمساعدة في التحكم في التوازن بين الكهارل Electrolytes في الدم . كما أن الصوديوم يوجد في حليب الأم ويحتاج الرضيع هذا المعدن لتنظيم حجم الدم ونشاط الأعصاب والعصبونات Neurones وجميع الخلايا الأخرى . أما الأيودين وهو أحد المعادن الهامة الذي يحتويه حليب الأم ويحتاج الرضيع إلى هذا المعدن لتنصيع هرموني الغدة الدرقية ثايروكسين وثلاثي أيودوتايرونين اللذين يعملان على تنشيط خلايا الجسم ومساعدة تصنيع البروتينات وحرق الدهون وتنظيم الجهاز العصبي التلقائي وللمساعدة في النمو عامة فعدم وجود هذا المعدن في جسم الرضيع يهيئ الرضيع لإصابته بالتقزم ( قصر القامة ) وحدوث البله والغباء وفطس الأنف وتدلي اللسان والصمم . وكذلك يحتوي حليب الأم على معدن الفلورين الذي يلعب دوراً في بناء أسنان سليمة بدون تسوس . أما الفيتامينات فنجد لبن الأم يحتوي على فيتامين أ بنسبة 61 ميكروجراما التي تعادل 203 وحدات دولية وهي ضعف النسبة الموجودة في البقر والنياق وكاروتين بنسبة 25 ميكروجراما والتي تعادل 42 وحدة من فيتامين أ وفيتامين ب1 بنسبة 14 ميكروجراما وفيتامين ب2 بنسبة 37 ميكروجراما وفيتامين ب6 بنسبة 18% وفيتامين ج بنسبة 520 ميكروجراما وحمض الفوليك (ب9) بنسبة 140 ميكروجراما وفيتامين د بنسبة 0,7 وحدة وفيتامين ه بنسبة 240 ميكروجراما وحمض النيكوتينيك (نياسين) بنسبة 183 ميكروجراما . إن الطفل يحتاج إلى فيتامين أ الذي يعمل على تنظيم نمو أعضاء الجسم وتقوية أغشية الخلايا وتكوين صباغ خلايا الشبكية ولوقايته من حدوث العمى الليلي وجفاف الجلد والعيون واضطرابات نمو العظام وأما فيتامينات ب1 ، ب2 ، فيحتاجها الجسم لتنشيط العديد من الأنزيمات وتقوية الأعصاب أما فيتامين ب6 فيساعد في تصنيع خضاب الدم ( الهيموجلوبين ) وتقوية مناعة الجسم وتصنيع الناقل الكيميائي في المخ السيروتونين المهدئ للأعصاب والمثبط للشعور بالألم . وبذلك تعمل هذه المجموعة من الفيتامينات على وقاية الرضيع من الضعف العام وصعوبة التنفس والتشنجات والطفح الجلدي وفقر الدم . أما حمض النيكوتينيك المعروف بالنياسين ( فيتامين ب3 ) فهو يعمل كمساعد للأنزيمات التي تقوم بعمل التمثيل الغذائي للمواد النشوية والبروتينية والدهنية بغرض الحصول على الطاقة . أما حمض الفوليك فنجد أن الرضيع يحتاج هذا الفيتامين من أجل وقاية الرضيع من حدوث فقر الدم ذي الأرومات الضخمة وفيما يتعلق بفيتامين ج فإنه ذو قدرة كبيرة في مساعدة الجسم في الوقاية من شرور البيروكسيدات الدهنية التي تنخر الخلايا والأوعية الدموية ويمنع ظهور مرض البثع ( Scurvy ) . أما فيتامين د فتتمثل قدرته مع هورمون باراثورمون على رفع وتنظيم مستوى الكالسيوم في الدم وذلك بزيادة امتصاصه في الأمعاء وإضعاف لفظه أو طرحه في البول ، كما ويعمل على تنشيط نمو العظام ومدها بالكالسيوم وبذلك يمنع هذا الفيتامين من ظهور داء الكساح ورخاوة ولين العظام ، وأما فيتامين ه ( E ) فهو يمنع تأكسد الحموض الدهنية اللامشبعة بالهيدروجين وبذلك يمنع ظهور البيروكسيدات أيضاً وبذلك يساعد على ثبوتية أغشية كريات الدم الحمراء كما وله القدرة على منع اضطرابات الجهاز العصبي المركزي ويمنع اضطرابات شبكية العين ويساعد على تقوية العضلات ونموها . ولعلكم تذكرون أننا لم نتحدث عن فيتامين ب12 حيث ان حليب الام يفتقر لهذا الفيتامين والذي يلعب دوراً في التكوين السليم لكريات الدم الحمراء ويدخل في تصنيع بعض الأنزيمات ولعلكم تذكرون أن هناك فيتامينات أخرى تقوم بما يقوم به هذا الفيتامين ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو المحدد لهذه الفيتامينات وإن بعضها يقوم بعمل الآخر فلا يحتاج إلى تكرار . ولا تنسى أن هناك الكوليسترول الذي يحتوي عليه حليب الأم حيث يحتوي على 14 ملجم لكل 100 ملي من الحليب وهو بالطبع عنصر غذائي مهم يحتاجه الرضيع لتصنيع أغشية الخلايا المختلفة ولتصنيع أملاح الصفراء المسئولة عن امتصاص فيتامينات أ ، د ، ه ، ك ( A, D, E, K ) والمساعدة في هضم الدهون وتصنيع هرموني الهيدروكورتيزون والدوسترون المنظمين لمستويات الصوديوم والبوتاسيوم والماء في الجسم ولتصنيع فيتامين د. كما ان حليب الأم يحتوي على مادة الكولين ( coline ) حيث ان الجسم يحتاج لهذه المادة بصورة أساسية لأنها تدخل في تصنيع الدهون الفسفورية مثل فوسفو تيدايل كولين وفوسفو تيدايل إثانول أمين التي تعتبر من المكونات الأساسية لأغشية الأعصاب والعصبونات والدماغ والخلايا المختلفة ، كما وأنها تعتبر طليعة للباعث الكيميائي أسيتايل كولين والموجود بكثرة في الأمعاء والذي يعمل مع بعض المواد الأخرى على تنشيط حركة الأمعاء وتحريك محتوياته ويمنع حدوث الإمساك يتفوق على الحليب الصناعي يمتاز حليب الأم بمعدل عال لنسبة الحموضة الدهنية اللامشبعة