لقد تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لأسبانيا في عام 2009م الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعةً بحوالي 76 مليار دولار. وهذا لا يعود إلى أن الاقتصاد الإسباني أقوى من إجمالي اقتصاد الدول العربية، وإنما بسبب جودة الإحصاءات الإسبانية مقابل ضعف إحصاءات الدول العربية. لذا تنادي أسبانيا باستمرار برفع وزن الناتج المحلي الإجمالي في الصيغة الرياضية التي يتم على أساسها حساب القوة التصويتية في صندوق النقد الدولي. ويعد الناتج المحلي الإجمالي لأي اقتصاد من أهم معايير المقارنة بين الدول، بل من أهم المفاتيح المالية عند الدخول في تكتلات اقتصادية مثل الاتحاد النقدي. وبالتالي فإن ضعف تقديره يؤثر سلباً - وبشكلٍ بالغ - على المصالح القومية للمملكة سواءً فما يتعلق بالقوة التصويتية للمملكة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو ما يتعلق بالدخول في الاتحاد النقدي الخليجي. ومنذ عام 1991م ونسبة الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى نظيره في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في انخفاض مستمر. فقد كان حجم الاقتصاد السعودي يمثل 80% من إجمالي حجم اقتصاد دول مجلس التعاون، وانخفضت هذه النسبة لتصل إلى 57% في عام 2010م. وإذا قارنا حجم الاقتصاد السعودي بإجمالي حجم اقتصاد دول مجلس التعاون الأعضاء في الاتحاد النقدي الخليجي (البحرين، وقطر، والكويت، والسعودية)؛ فإن المملكة العربية السعودية كانت تمثل 85% في عام 1991م، وانخفضت هذه النسبة لتصل إلى 61% في عام 2010م. ولا تزال الحسابات القومية بعيدة كل البعد عن الحجم الحقيقي للاقتصاد السعودي، ومعظم الأخطاء تتركز في حساب الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وخاصة قطاع الخدمات الذي لا يتم تقييمه بشكل واقعي يتناسب مع حجم اقتصاد المملكة. لقد تجاوز إجمالي قيمة عمليات النظام السعودي للتحويلات السريعة (سريع) 54,5 تريليون ريال في عام 2011م، في حين لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة مبلع 2,16 تريليون ريال. وفي هذا إشارة إلى مدى ضعف تقييم إحصاءات الحسابات القومية لاسيما الناتج المحلي الإجمالي. ومعظم الدول المتقدمة تدرك أهمية حساب الناتج المحلي الإجمالي وتأثير ذلك على مكانتها في المحافل الدولية. فعلى سبيل المثال تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية بإجراء عمليات حسابية دقيقة لكل مكونات الناتج المحلي الإجمالي باستثناء بند واحد فقط يتم تقييمه، هذا البند عبارة عن القيمة المكافئة لإيجارات المساكن التي يسكنها مالكوها، لأنه في هذه الحالة لا تجرى أي عملية دفع أو حساب للضريبة. وقد يعترض البعض على اعتبار ذلك جزءًا من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا ما تقوله النظرية، وما تفعله الدول الآخر. ففي فترة البناء تدخل التكاليف في قطاع التشييد والبناء، ثم يتم حساب الريع (أو ما يعادل الريع) في القطاع العقاري. وإذا نظرنا إلى مكونات الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نجد مثلاً أن مساهمة القطاع العقاري لم تتجاوز 75.8 مليار ريال في عام 2011م، وهذا لا يعكس على الاطلاق حجم القطاع العقاري لاسيما إذا قُورن بقطاع التشييد والبناء الذي بلغ 89,0 مليار ريال. فمن غير المعقول أن تتجاوز قيمة الإنشاءات في عام 2011م إجمالي ريع العقارات القائمة، بل من غير المعقول أنه يمكن تأجير كافة عقارات مدن وقرى المملكة ب 75.8 مليار ريال لاسيما أن السوق العقارية قد شهدت ارتفاعات قياسية خلال الخمس سنوات الماضية سواءً من حيث قيمة العقار أو تكاليف الإيجار. وفي المقابل تصل مساهمة ملكية المسكن في الولاياتالمتحدة إلى حوالي 7.2 تريليونات ريال، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. من جانب آخر، أظهر البيانات الرسمية للناتج المحلي الإجمالي أن إجمالي خدمات المال والتأمين وخدمات الأعمال بلغ 66,8 مليار ريال في عام 2011م. والأرجح أن يكون هذا الرقم أقل من إجمالي إنتاجية القطاع المصرفي. ومصدر الضعف في حساب إنتاجية هذه القطاعات ناتج عن منهجية الحساب التي تقتصر على حساب الفرق بين المدفوعات والمتحصلات، في حين أن الخدمات المصرفية من تحويلات وعمولات تداول.. الخ تمثل جزءاً هاماً من إنتاجيتها وينبغي احتسابه. [email protected] *مستشار اقتصادي