والثاء: ثمانه حب رمان طايف أو قحويان في رياض عطايف متنفل بالزين سيد العفايف عمهوجة فيها من الحور شارات شارات فيها من ظبي الحماد هو لذة الدنيا وغاية مرادي من يوم شد صويحبي عن بلادي عليه جاوبت الحمامة بالأصوات.. فمن مزايا ذلك المحبوب أن أسنانه الثمان (أربع فوق.. وأربع تحت) تشبه حب رمان الطائف .. ووجه الشبه في صغر الحجم.. وروعة الاتصاق.. والتناسق.. دون اللون.. وهذا في الرمان جملة فما الصفات التي ينفرد بها رمان الطائف..؟ ربما كانت تلك الصفات فيه أظهر.. والشاعر يركز على الأسنان الثمان وحدها.. فما حالة بقية الأسنان والأضراس..؟ فلو كانت غير موجودة مثلاً.. إلا يعد الشاعر ذلك صفة نقص..؟ فقد رمى الشاعر من ذلك إلى البارز وحده.. وهذا المعشوق كان غاية في صغر الفم..؛ فلا تبين منه إلا تلك الأسنان الأمامية الموصوفة.. وحتى لو ابتسم..؛ فلا يظهر غيرها..؛ خلافاً لمن وهبهم الله بسطة في الفم..؛ فتبين عند الابتسامة نواجذهم.. ثم ما لون تلك الأسنان..؟ جاء ذلك في قوله: (أو قحويان)..؛ فهي شديدة البياض.. كما قال الآخر في ذلك البيت المليء بالتشبيه: واستمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد..؛ فقد أشبهت أسنان ذلك ا لمحبوب في شدة بياضها.. وما معنى (عطايف)..؟ وهل هي صفة ل (قحويان)..؟ أم نعت ل(عطايف)..؟ في البداية كان الرأي أن تلك الصفة للقحويان..؛ فقد كبر شجره حتى انعطف ومال.. ولكن ذلك الاقحويان لا ساق له فيما يبدو.. وشدة الكبر حتى تلك المرحلة سمة نقص.. قد تغير الرأي بعد هذا الإشكال.. وإذا كانت العطايف صفة للرياض .. فما معنى ذلك..؟ جاء الجواب -صدفة- منقولاً عن أحد المغرمين بهذه القصيدة في لقاء عارض في إحدى فياض الصمان..؛ فالعطايف هي الأرض البكر التي لم تزرع ولم تحرث من قبل.. وقوله: (متنفل بالزين).. يضمر أن مايراه الآخرون واجباً.. وشرطاً رئيساً للجمال.. توفر في تلك المحبوبة على سبيل الاستحباب والنفل لا الواجب..؛ لتزاحم تلك الصفات الجمالية..؛ فلو سقطت إحدى تلك الصفات..؛ لأغنت البقية..؛ ولما شعر الناظر بذلك المفقود.. وإضافة لهذا كله تتزين بالعفاف.. بل هي رائدة وسيدة في تلك العفة.. والعمهج والعمهوج: لفظان- كما ورد في القاموس المحيط- يدوران حول: اللبن الخاثر، والمختال المتكبر، والطويل، والسريع، والممتلئ لحماً وشحماً، والأخضر الملتف من النبات.. والجمع في ذلك: عما هيج.. فأي الصفات عناها شاعرنا..؟ أم هو معنى جديد..؟ واستبدال عمهوجة ب(غندورة)- كما في رواية أخرى- يقرب ذلك الإشكال..؛ لتصبح سمة إلى (الدلع) أقرب.. وهي صفة محببة في الحسان.. ممجوجة في غيرها.. وقوله: (فيها من الحور شارات).. يدل على أنه ليس هناك أصل في تلك الصفات..؛ فهي والحور تتقاطعان في سمات.. دون أن يكون أحدهما أصلاً يقاس الآخر عليه..؛ ولذا لم يقل إنها تشبه الحور-كما هو الدارج- .. والطريقة نفسها سترد في تشبيه الساق عند قوله: في وسط ساق فيه من عرق الإرطاة.. -إن استطعنا الوصول إلى ذلك المقطع-.. وربما شابهت هذه الطريقة ما يعرف بالبلاغة العربية بالتشبيه المقلوب.. الذي يجعل فيه المشبه مشبهاً به.. كما في قول ا لأعشى: في طلعة البدر شيء من محاسنها وللقضيب نصيب من تثنيها.. ثم ماهي هذه الشارات التي تقاطعت فيها هذه الفاتنة مع الحور..؟ لقد تركها للمتلقي..؛ فالحور لم تر بعد.. والخيال أبلغ من الحس.. وقول امرئ القيس: أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال.. فحمى عندما قال: (شارات فيها من ظبي الحماد).. لم يحل لوجه شبه.. وإنما جاء بتشبيه جديد تتقاطع فيه محبوبته مع ظبي الحماد.. فما الذي يميز ظبي الحماد عن غيره..؟ قد يكون ذلك التميز ماثلاِ في خفة الحركة.. وشدة الوضوح..؛ ففي الحماد يستطيع الرائي أن يبصر المرئي دون عوائق تغطي شيئا من ذلك المحبوب.. وهناك عناصر جمال منفردة عند كثير غير تلك الموصوفة.. تحتفظ بجمالها عند التركيز عليها وحدها.. ولكن عند النظر العام لكل الأوصاف.. يسقط أو يخف ذلك الإعجاب.. وهذا شبيه بقول الآخر الشعبي: وخده كما بارق في رعودي وزوله كما الريم بأرض خلية.. وقريب منه الأبيات التي رواها لي أحد الأقارب عن ذلك الفاقد شجاعته.. وهيبته..؛ لكبر سنه.. المتفاجئ بقول تلك الفتاة (الشايب.. الشايب.. محذرة عشيقها..) التي وجدها في موقع جالب للشك وقد قال: يا بنت ياللي فيك حليا الغزال دخلك على الله ويش سدك عن الغيب أنت من اللي يبعدن المفالي شقح البكار إليا زهن الدباديب الا من العفش أمهات الطفالي صفر العيون اللي يفرسهن الذيب.. فهذا مشابه.. ومنساق مع هذا التشبيه الكثير.. وإن لم يحدد أوصافاً معنية.. والدباديب هي: تلك الزينة التي تتدلي مما يوضع على الناقة أو الجمل المعد اللركوب (الرحول).. ومنه في الفصيح: ريم على القاع بين البان والعلم أحلى سفك دمي بالأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا ياساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة: يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي كتمتها وجحدت السهم في كبدي؛ جرح الأحبة عندي غير ذي ألم.. وأشد بطشاً من هذا السهم الذي قيل فيه: سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق.. لقد أبعدت مرماك.. وأكثر تطابقاً قوله: ياظبية البان ترعى في خمائله ليهنك اليوم أن القلب مرعاك هبت لنا من رياح الغور رائحة بعد الرقاد عرفناها برياك.. ثم انثنينا إذا ما هزنا طرب على الرحال تعللنا بذكراك... وهذا التعلل مخالف لتعلل المتنبي في قوله: قد سألنا -ونحن أدرى بنجد- أقصير طريقنا.. أم يطول..؟ وكثر من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل.. وفي قوله: (هو لذة الدنيا وغاية مرادي).. (هو) تعود للظبي.. بينما (هي) - الرواية الثانية- تعود للمحبوبة.. وعلى كل نقول: ما الذي أضافه في قوله (وغاية مرادي).. بعد قوله: (هو لذة الدنيا)..؟ وهل يمكن أن يكون الشيء لذة.. دون أن يكون غاية..؟ نعم .. وهذا -ربما- ما دفع القائل لتلك الإضافة..؛ ويؤكد ذلك المعنى بقوله: من يوم شد صويحبي عن بلادي عليه جاوبت الحمامة بالأصوات..؛ فقبل أن يرحل لم يجاوب الحمامة بالأصوات... فكيف كانت حالته..؟ أكان في مرحلة تهيؤ لذلك المصاب..؟ وهل كان ذلك تدرجاً في قطع حبال الوصل..؟ وهل المعاناة سارت حتى وصلت المرحلة الأخيرة (مرحلة محاكاة الحمامة)..؟ أم جاءت دفعة واحدة..؟ في اختيار لفظة (شد).. ما يوحي بانعدام التدرج.. وفي (صويحبي).. احتفاظ للمحبوب بمكانته.. رغم تلك الأحن كلها ولمَ خص الحمام..؟ وهل ماثلها في الصوت وحده..؟ وهذا يقودنا إلى أبي العلاء المعري في قوله: أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد...!!؛ فلقد تنبه ذلك الأعمى لغموض دلالة صوت الحمام.. فلا يعرف.. هل عبر عن فرح.. أم ترح..!! وقد أضاف- وفقاً لفلسفته السوداوية-: وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد.. فهل نحن أمام شيء من (التناص) بين العربي والشعبي..؟