ترك صالح الشهري المكان.. ورحل مخلفاً أيتاماً كثر، من فنانين وشعراء وموسيقيين، كان بلا شك حاضناً وأملاً لهم طوال سنوات. الحياة الغنائية بدأت تستشعر اليتم لرحيله.. المطربون وأصواتهم العازفون وآلاتهم والشعراء وقصائدهم التي ستبقى تتساقط من "الفاكس" الذي غدا بلا صاحب. لا جدوى من إرسال القصائد، فصالح الشهري في ذمة الله.. بعد أن كان "فاكسه" يستقبل يومياً، عشرات القصائد من كل أنحاء العالم؛ كلٌ ينتظر فرصة أن يحظى بلحنِ من منجم الألحان؛ كي يتلمس أول خيوط الظهور والشهرة. هكذا إذن رحل الملحن القدير، ميتماً، أيضاً، عالمه الفني الخاص في مدينة الدمام، الذي لم يتركها إلا مع المرض، حيث كان صالح الشهري، عاشقاً للبحر وللساحل الشرقي، مصراً على البقاء في المدينة التي سجّلت ولادته الفنية الأولى وأعلنت عن شخصيته الموسيقية، مترئساً خلال الثمانينيات لجنة الموسيقى بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، ومساهماً في تشكيل الفرق الغنائية التي ظهرت في الجمعية آنذاك. وهنا يذكرنا رفيق دربه الشاعر مزهر الشهري، ببدايات صالح الشهري الفنية بالدمام مع تلحين أوبريت جماهيري في الدمام شارك فيه مطربو الشرقية وهم أيوب خضر ورابح صقر وسعد شهاب، إلى جانب أداء صالح الشهري لفقرة غنائية بصوته في الأوبريت الذي أقيم فترة الثمانينات الميلادية في تلفزيون الدمام وكتبه الشاعر علي المصطفى. لقد كان للشرقية حب عميق في وجدان صالح الشهري والذي لم يتركها، حتى بعد أن أخذ تقاعداً مبكراً من "معهد الدراسات الفنية التبع للقاعدة الجوية" وإنما اشترى بيتنا في حي الشاطيء المقابل للبحر، مستلهماً كثيراً من ألحانه من الطبيعة البحرية التي عشقها أيما عشق. والمفارقة أن صالح الشهري، رغم استطاعته التحول إلى المدن الأهم في صناعة وانتاج الأغنية السعودية، إلا أنه بقي مع حبه الأول "الدمام"، متحولاً بذلك إلى مركز فني مستقل، داخل المنطقة الشرقية التي وصفها ذات يوم ب"مقبرة الفن" رغم الكم الكبير من المواهب. أما عن الدور الموسيقي الذي قام به، فهو بلا شك، من أهم الذين أعادوا إنتاج الأغنية الشعبية السعودية، وأظهروها بزي جديد إلى العالم العربي. صالح الشهري.. الاسم الذي لن يمحى من تاريخ الأغنية السعودية، رحل حقاً، بعد عناء المرض، ميتماً، أيضاً، جمهوراً رافقه طوال ثلاثة عقود، وهو الجمهور الذي سيبقى وفياً، لروح وفن وألحان صالح الشهري.