ماذا يعني لنا بعد كل الجهود التي تبذل من اجل سعودة الوظائف انطلاقاً من تحقيق هدف وطني هام وهو القضاء على البطالة، وتوفير فرص العمل للشباب السعوديين العاطلين عن العمل ان يصرح وزير العمل الدكتور غازي القصيبي ان الوزارة جادة في اتخاد قرارات صارمة وحازمة وشديدة لمعاقبة الشركات والمؤسسات والمصانع الوطنية التي لا تتعاون في هذا الجانب ولم تبد الرغبة في المشاركة الوطنية الفعالة لإحلال العمالة الوطنية محل الاجنبية في مجالات الوظائف والمهن التي لا يحتاج الوطن ولا سوق العمل الى بقاء العمالة الاجنبية بها مع تضخم اعداد الشباب السعوديين في طوابر انتظار تتراكم وتتضاعف عاماً مع عام مع غياب هذا المشاركة الوطنية المطلوب من مؤسسة وشركات القطاع الخاص وهو واجب وطني ملح وضروري لاستقرار سوقنا المحلي وضمان استمراره ونجاحه، حتى وصل الرقم الى نحو مائتي ألف شاب يبحث عن فرصة عمل. الوزير القصيبي يلوح بعقوبات تدل على ان الوضع متأزم بضعف مشاركة كثير من الشركات والمؤسسات الوطنية، وهو محور اساسي لا نريد فيه تجاوز الادوار ولا الهروب من حدود المسؤوليات، فالمؤسسات والشركات التي لا تتعاون ولا تتكاتف ولا تتأثر مع جهود الدولة واهدافها ومراميها سوف يطبق بحقها قرارات صريحة انطلاقاً من قرار مجلس الوزراء القاضي بحرمان تلك الشركات من الحصول على فرص الاستقدام للعمالة وكذلك وقف طلبات نقل الكفالة او تجديد الاقامة للعاملين لديها. وحرمان ومنع هذه الشركات من الدخول في المناقصات الحكومية التي تمثل لدى البعض ثقلاً تشغيلياً ساهم في تنمية مواردها وتطور خدماتها وانشطتها. وعدم السماح لها ايضاً بالحصول على القروض من التي تقدم الدولة، والاعانات التي تخصصها الدولة للقطاع الخاص. هذه الصيغة في خطاب الوزير القصيبي لم تتصاعد وتحتد في لهجتها بين يوم وليلة، بل على العكس كنا قد لمسنا وعايشنا ندوات كثيرة تقدمت بها الوزارة طلباً في تحقيق تعاون مشترك يتيح للطرفين - الدولة والنظام الخاص - خلق تكامل مثالي يسهم في حل مثل هذه المشكلات التي تتضاعف عاماً بعد عام، وبالذات المرتبطة بسعودة الوظائف والمهن في مجالات تشهد الدولة تخريج اعداد كبيرة من ابنائها في تخصصات ادارية ومهنية وفنية قادرة اذا خضعت للتدريب والصقل والتأهيل ان تكون البديل الافضل والمناسب للعمالة الاجنبية التي لا يعني الاستغناء عنها فشلها ولا سوء عطائها ونتاجها ولكن حديثنا المستديم مع افراد من هذه العمالة يؤكد في مجمله على احقية ابن الوطن في الحصول على هذه الفرص الوظيفية اذا كان جديراً بها واهلاً لها وقادراً على تحمل مهامها. لكننا ايضاً نتمنى ان توضح وزارة العمل اسباب عزوف بعض الشركات عن تشغيل السعوديين على وجه الخصوص، وهل هناك دراسة اجريت او بحث ميداني أُعد لمعرفة الاسباب التي تدفع هذه الشركات المتوسطة والمؤسسات الصغيرة عن التهرب من هذه المشاركة رغم ان مثل هذه الشركات هي المستفيد، بلغة الارقام والالتزامات والاجراءات التنفيذية من تشغيل السعوديين دون غيرهم، لو دققنا النظر في العبء الذي تتكبده تلك المؤسسات من اجراءات تشغيل العمالة الخارجية ابتداءً من اجراءات الاستقدام واستخراج الاقامة وما يرتبط بها من انظمة الخروج والعودة وتجديد الاقامة والتزامات تأمين السكن والنقل والعلاج الطبي تحت غطاء التأمين الذي فرض عليها أخيراً. بينما السعودي لا يتطلب تعيينه وتشغيله غير اجراءات محدودة مع عدم وجود معيار محدد للاجور العليا والدنيا منها مع قياسها بالمؤهلات والخبرات، ومع النظر ايضاً الى ان كثيراً إن لم يكن اغلب الاجانب الذين يتم استقدامهم لا يجيدون المهن التي التحقوا بها وتحققت لهم في أرض الوطن فرصة اكتساب خبرة مهنية وفنية ومصنعية وتسويقية ايضاً كلف اصحاب المؤسسات من الوقت والجهد الشيء الكثير حتى أثمر وجودهم عن منافع ونتاج مطلوب، اي ان الامرلم يأت بمجرد القدوم والالتزام بشروط العمل بل استغرق ذلك اشهراً من التدريب والتعليم والتأهيل. معاناة الاجانب قبل السعوديين يبقى السؤال لماذا الوطني غير محبذ وغير مفضل اذا قارناه بالاجنبي على الرغم من معرفة جميع اصحاب المؤسسات بمعاناة تدريب الاجانب حديثي العهد بسوق المملكة مع عوائق اللغة والمعرفة بأنظمة البلد وقوانينها واعرافها التجارية والاجتماعية. والوطني الذي يعد جاهزاً في كثير من الجوانب التدريبية والمهارات التي تمكنه من اكتساب الخبرة بسرعة ووقت لا يمكن مقارنته بمثيله الاجنبي. بعض الاصوات تؤكد بأن السعودي الشاب خريج المعهد المهني او الثانوي التجاري او الكلية التقنية او حتى الجامعي لا يستطيع ان يتحمل مشاق وارهاق وعناء العمل في القطاع الخاص الذي يفرض دواماً يمتد الى تسع ساعات يومياً مع وجود ساعة واحدة بعد الظهيرة لا تكفي للذهاب للمنزل لتناول الغداء وشرب فنجان شاي، وان هذا الشاب لم يخضع طوال تاريخ حياته لعمل استمر لتسع ساعات في مصنع لا يعرف الخروج من ظروف خط الانتاج لوقت قصير، ومع الانقطاع عن الاتصال بالجمهور حث لا يتحقق له فرصة التواصل مع الآخرين نظراً للظروف المهنية الخاصة بالعمل داخل مصنع مقنن بساعات انتاج مرتبطة بطاقة تشغيلية لا يحتمل تأجيل العمل ولا تأخيره. مثل هذه المصانع لا يفضل اصحابها الاعتماد على السعوديين لان الفرص المتاحة لا تقبل من الموظف كان سعودياً او اجنبياً الانسحاب من العمل بعد اكتساب الخبرة التي تكلف الشيء الكثير من الجهد والوقت والتدريب، بينما صاحب المصنع بموجب نظام الكفالة يجبر العامل على الالتزام بالعمل في هذا المصنع دون غيره الا في حالة موافقة الكفيل على نقل كفالته بإتفاق مرضٍ بين الطرفين. وبعض اصحاب المصانع يتخوفون من تشغيل السعوديين لهذه الاسباب، فإما لا يوفق السعودي لصعوبة وطول وقت الدوام فيستقيل بعد فترة اشهر قصيرة ويربك عمل قد نظم بوجوده عنصراً في دائرة انتاجه، وإما ينقطع او يستقيل عن عمله اذا تلقى عرضاً مميزاً أغدق عليه العطاء وزاده في الاجر الشهري والحوافز الوظيفية التشجيعية. اسراب الطيور المهاجرة المشكلة ايضاً التي يجب ان تتنبه لها وزارة العمل وهي ليست مغيبة بل هي اساسية في طموح اي شاب وفي نجاح التزامه بوظيفته مهما كان وضعها وظروفها وارتباطاتها ومشكلاتها وهي الأجر الشهري الذي يحدد للمتقدمين للوظائف، وهي السبب الاهم الذي يعرقل نجاح العديد من تجارب التوظيف للعمالة الوطنية، فكثيراً ما نسمع عن 1500 و2000 ريال راتباً لحامل الثانوية التجارية او العامة في مهن ووظائف يصعب علينا وضع قياسها بوقت الدوام المحدد وطبيعة النتاج المطلوب، وهو ما يجعل الشاب مثل الطير المهاجر من وظيفة لأخرى يبحث عن وضع افضل ومرتب مغرٍ ومجزٍ اكثر، وهو امر مستحق لا يجب ان يؤخذ على الشاب ولا يلازم عليه، هذا اذا ما علمنا ان نصف الاجر الذي يبلغ 1500 ريال يذهب مع الريح لا يستفيد منه الشاب في تكاليف المواصلات والنقل والاحتياجات الاساسية، فماذا يفعل شاب جاءته فرصة وظيفية في شركة صناعية بجنوب جدة تبعد عن منزله 20 كيلومتراً. فمن المؤكد ان تكلفة المواصلات التي تقله سواء بسيارته الخاصة او بسيارة اجرة تأخذ بالفعل نصف مرتبه. لماذا النجاح في البنوك وكبريات الشركات السؤال اين هي الحوافز التي يجب ان توضع من قبل هذه الشركات والمؤسسات الوطنية تشجيعاً لهذا الشاب وتلبية لاحتياجات اساسية يسعى اليها اي وافد قدم للحصول على فرصة عمل بالمقارنة بظروف دخله الشهري هنا وهناك اي في وطنه الام. ولماذا يحرم الشاب السعودي من ان يحصل على المرتب الشهري الذي يكفيه ولا نقول هناك مرتبات مرتفعة وعالية ومبالغ فيها لكننا لا نريد ان تكون الوظائف في مستوى ما هو محدد ب 1200 او 1500 ريال لخريج الثانوية العامة او التجارية. ثم علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً بديهياً وبسيطاً، لماذا الشاب السعودي منذ أكثر من عشرين عاماً نجح في الوظائف التي عرضت عليه في كبريات الشركات مثل سابك ومثيلاتها من الشركات البتروكيميائية وأرامكو وصافولا ومن في حجمها من الشركات الكبرى وكذلك الحال مماثل عند النظر إلى نجاح الشباب السعوديين في العمل في البنوك الوطنية والأجنبية وشركات السياحة والطيران، هل لأن الوظائف المتاحة أقل جهداً وعطاء وساعات دوام، أو هل لأنها وجدت للترفيه بينما غيرها وجد لإرهاق وزيادة عناء الشباب؟ الجواب ليس جديداً علينا ولا يحتاج إلى سؤال هؤلاء الشباب ولا مجلس إدارة هذه الشركات والبنوك الوطنية والأجنبية، إنها واضحة وضوح الشمس في النهار، فمن المعروف ما هي الحوافز والمرتبات والإغراءات الوظيفية التي تقدمها هذه الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات التي تدرس بعناية شؤون عامليها وتحرص على استمرار ونماء عطائهم المهني وتطور أدائهم الوظيفي رغبة منها في استمرار بقائهم وتطور خبراتهم مع مواكبة كل ما هو متطور في مجالهم المهني، لذلك كل هذه الشركات والبنوك هي الأقل تضرراً والأكثر منفعة واستفادة من تشغيل السعوديين بل انها تسعى من وقت لآخر لتنمية مهاراتهم وتطوير تدريبهم بدورات مستمرة داخل البلاد وخارجها. مشعاب الوزارة هل يفيد نحن لا نعتقد أن مثل هذه المؤسسات والشركات التي لم تتعاون في مسألة وقضية السعودة سوف تسير في طريقها الصحيح بمشعاب وزارة العمل، ولا نعتقد أيضاً أن التلويح بقرارات شديدة وقاسية وصارمة مثل اجراءات العقاب الذي سيفرض على المخالفين وبالذات المتعلقة بإيقاف طلبات الاستقدام واجراءات نقل الكفالة أو التجديد أو غيرها من الأمور سوف تجدي وتؤتي ثمارها وتحقق لنا الغايات الوطنية المطلوبة، الذي نطلبه في هذا الجانب هو نجاح السعودة وليس فرضها بالعصا والمشعاب ولغة العقاب وكوبون المخالفات، فهذه المؤسسات تستطيع أن تلعب لعبة القط والفأر، فكلما داهمتها حملات تحركت ثم نامت، وكلما اشتدت عليها رياح التغيير والمتابعة والمراقبة تحركت معها انحناء للعاصفة إلى أن تخفّ وتذهب بعيداً. عروض جادة من الطرفين نحن نتحدث بلسان الشباب الباحثين عن وظائف مناسبة ومعقولة وتراعي الظروف والأحوال المعيشية، وبالذات الشباب الجادين والمحتاجين لفرص عمل حقيقية يكتسبون فيها خبرات عملية ويطورون اعتماداً عليها طموحاتهم الوظيفية والمادية أيضاً. الشباب لا يريدون المؤسسات والشركات المخالفة أن تلقي لهم بسلة وظائف أو حقيبة أعمال وضِعَت لها مرتبات وأجور وحوافز وجدت لتختفي مرة أخرى. لعدم تناسبها مع ظروف وأحوال ومعيشة الشباب السعودي حيث لا يهم هذه الشركات المخالفة غير تجاوز نظام وطني مفروض وبمجرد انسحاب الشباب من الوظائف لعدم تناسبها يُلقى باللوم على هذا الشباب وتعود أسباب عدم الاستمرار والفشل لعدم جديته ورغبته وجدارته بالعمل المهني.