ترى هل انتزعت الرحمة من قلوب البشر لدرجة لم يعد للإنسانية مساحة في قلوبهم؟ وهل فعلاً مات الضمير الإنساني بقلوبهم حيث لا يعنيهم إلا أن يشبعوا ما في نفوسهم، ويرضوا رغباتهم المريضة بغض النظر عما تشكله للآخرين ولو كانوا أقرب الأقربين؟ لم تكن مفارقة الحياة، والموت حاجزاً لمن أراد الاستمرار في وفائه وصلته وبره لأقرب الناس إليه (والديه). وحيث يعد من أكثر الأبناء رفقاً بوالديه ووفاءً لهما هو من يتمثل الشفقة والرحمة، فلا ينسى فضل أمه وآباه حتى بعد وفاتهما، وبذلك الصنيع يقدم لنا دروساً عملية ويبعث لمجتمعه رسائل إيجابية وتربوية مؤثرة، حيث لا يترك فرصة للتزود من البر والإحسان والوفاء لحقوق الوالدين إلا وسأل عنها وطبقها، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه". فحقاً لنا أن نقف مرفوعي الرأس لهذه التربية الإسلامية العظيمة على الوفاء والإحسان والبر للآباء، وبهذا تصل النفوس إلى أعلى مستوى أخلاقي راق في الأدب مع الآباء والمبالغة المطلوبة في الوفاء لهما حتى بعد وفاتهما لجلالة قدرهما. وفي الوقت نفسه نجد بعض المواقف مع الأسف الشديد لصنف من البشر ممن نزعت من قلوبهم الرحمة، وأبدلت قسوة، وانتفى الحياء الذي يشعرهم بلذة الوفاء تجاه الوالدين. إن الحياة من دون الوفاء تشبه الغابة التي لا أمان فيها ولا اطمئنان، فالوفاء يعكس الاعتراف بالجميل وحسن الصنيع وهو من شيم أصحاب النفوس الزكية التي تحفظ الجميل وتبادر إلى مقابلته بالإحسان. والديمومة من أبرز المطالب حتى يتحقق معها الوفاء، وهو ما لا يقدر عليه إلا أصحاب القلوب الرحيمة، ممن وطنوا أنفسهم على أداء الحقوق التي أخذوها على عاتقهم، والزموا بها أنفسهم، حتى ولو كانت هذه الحقوق لمن رحلوا عن دنيانا. وقفة: "يقال إن للقسوة فنوناً، وإن هناك أناساً بلا رحمة" وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. * معهد الإدارة العامة بالرياض