ما زال الشباب والكهول وحتى الشيوخ الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً يتذكرون كيف كانوا يتسمرون - حين طفولتهم - أمام شاشة «التلفزيون» التي لا يتعدى وميضها الأسود والأبيض حدود منزلهم الصغير؛ حين كانت العائلة بكامل أفرادها تقف مذهولة أمام الشاشة الماسية التي بدأت انطلاقتها في بلادنا شهر شوال عام 1385ه، وسبقتها فترة تجريبية بدأت من شهر ربيع الأول من السنة نفسها؛ ليبدأ «التلفزيون العربي السعودي» بث برامجه لأكثر من ثلاث ساعات بعد أن كان يبث في الفترة التجريبية مدة ساعة واحدة، وحينها لم يخلُ البث من برامج الأطفال لاسيما الرسوم المتحركة التي كانت محل تسابق الشركات الأجنبية، خاصة وأن الرسوم المتحركة كانت قبل ظهور التلفزيون في أمريكا والدول الغربية معروضة في الدور السينمائية يحضرها الكبار كغيرها من الأفلام، إلاّ أنها مع الأيام ومع ظهور التلفزيون وجدت قبولاً لدى الأطفال وصغار السن؛ لكونها أقرب للطرافة، ولشمولها على صور الغابة والحيوانات والطيور التي ينجذب لها الأطفال، حتى اعتبرت مع الأيام برامج خاصة للأطفال إذ طالما داعبت مسامع أبناء ذلك الجيل عبارة «أما الآن فنعرض لأحبائنا الأطفال باقة من الرسوم المتحركة».. هذه العبارة التي رددها معظم مذيعي التلفزيون السعودي منذ عام 1385ه بقيت إلى وقت قريب وربما إلى الآن، بل ما يزال صداها يسمع بين الحين والآخر. نجم الحارة اللي عنده «أتاري» كل «الطفارى» يصادقونه وتطور الحال مع «صخر» و«العائلة» و«سيجا» و«سوبر نيتاندو» و«بلايستيشن» أشهر البرامج في بدايات التلفزيون العربي السعودي كانت برامج الأطفال تعرض كغيرها من البرامج من دون ألوان، وكانت إلى زمنٍ قريب ترسم باليد ويرسمها عدد من الرسامين ويكلف إنتاجها وإخراجها وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً، وتسمى حينها بالأفلام القصيرة التي لا تزيد الحلقة الواحدة منها عن بضعة دقائق. وحينها كانت شخصية «بوباي البحار» الذي عُرض في التلفزيون السعودي عام 1387ه أشهر وأروع الأفلام لدى أطفال ذلك الزمان - الذين هم الآن على مشارف الستين عاماً من أعمارهم -، كما كانت مغامرات «كاسبر الصديق الودود» التي عرضت في التسعينات الهجرية، و»لولو الصغيرة» و»جابي» من إنتاج شركة «رامونت» فيما كان «ميكي ماوس» وبطوط وقوفي «بندق» والكلب «بلوتو» حديث أطفال تلك الفترة، وقد أنتجتها شركة «وولت ديزني»، وفي حين كانت المنافسة شرسة بين الشركات العالمية في هذا المجال قدّمت شركة «هنا» وصديقه «باربيرا» شخصية الكلب «سكوبي دو» والأسد والضبعة و»توب كات» التي عرضت مع بدايات التلفزيون السعودي، واستمرت حتى الثمانينات الميلادية رغم منافسة شركة «وارنر بروذرز» وشركة «يونيفيرسال» التي عرضت المغامرات الشهيرة معشوقة الصغار منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا الذي مثلها ذلك الطائر المشاغب «نقار الخشب» وأصدقاؤه «أندي باندا» و»شيلي ولي» وفي الوقت الذي عرض في التلفزيون السعودي ذلك الفيلم الكارتوني الذي أنتجته شركة (MGM)، والذي يعتبر الأشهر والأوسع مشاهدة لدى كافة دول العالم لاسيما وأن عرضه ما زال مستمراً وكأنه من إنتاج اليوم، والذي أنفق فيه كل من الرسام «جوزيف باربيرا» والمكساج «وليام هانا» جهداً كبيراً لإخراج مسلسل كرتوني عرف فيها بعد ب»توم وجيري» الذي كان وما يزال حديث الأطفال ولا ينافسه في مكانته إلاّ شخصية النمر الوردي «بانك بانثر»، و»آكل النمل»، والضفدعين السمين والنحيف وقد أنتجت هذه الأعمال شركة «ديبيتي فريلينو»، إلاّ أن عرض التلفزيون السعودي لأفلام هذه الشركة لاسيما «النمر الوردي» جاء مع بداية الثمانينات الميلادية، وحينها كان هذا النمر محط أنظار الصغار لاسيما وقد اتصف مع بروده وجمود حركته بالدهاء والمكر مع قليل من المشاغبة، وهو ما يبحث عنه الصغار، لاسيما وقد اجتمع فيه وفي منافسه «توم وجيري» أنهم مع «شقاوتهم» لا يتكلمون، ولا يظهرون أصواتاً عدا صراخ القط الرمادي «توم» من مقالب الفأر «جيري». قبل ما يقارب من أربعين عاماً كان الأطفال يتابعون شخصية «سكوبي دو» ذلك الكلب البائس والغورلا العملاق «كيق كنق» الذي يظهرمن فوهة البركان فيحطم الأحجار ويهاجم الأشرار، وشخصية «شمشون» الذي يصحب بدبابه كلب وديع سرعان ما يتحول هذا الكلب إلى أسد ضارٍ مع كل خطر يداهم صاحبه في حين يضرب هو بأساوره ليبدو ضخماً يهابه الأعداء، وما زالت ذاكرة أبناء ذلك الجيل تستحضر شخصية «سبيس قوس» الطائر بصحبة ابنه وابنته وقرد صغير يهاجمون الأعداء ويقاتلون اللصوص، وحينها كانت ضحكات الصغار تتناغم مع استغاثة الرجل السمين بصديقه النحيف «أي يابا» في فيلم «لوريل وهاردي»، كما كانت قفزاتهم وحماسهم مع مراوغة ذلك الطائر الصغير ل»داستردلي» والكلب «ماتلي» في مطاردتهم له للحصول على الرسالة التي في عنقه، وقد استخدموا كل الحيل في صنع الطائرات للحاق به. طلاب ابتدائية الخبر يشاهدون التلفزيون للمرة الأولى في حياتهم تبرعت به شركة أرامكو عام 1379ه ناهيك عن مغامرات الديناصور «قدزيلا» والرجل الوطواط ورجال «الكابوي» وفيلم «المتحجرون» الذين يحاكون زمن العصر الحجري والسيد «ماقو» كبير الأنف والكلب «هاكل بري» وأبناء الطائرة الفضائية «ذا جيت سنز» والنسر والرجل الطائر «بيرد مان» والرباعي الرائع «فانتاستك فور» وفريق السلة والسيارة التي تتكلم. كانت معظم هذه الأفلام الكرتونية قد عرضت في العقدين الأولين منذ بداية البث في التلفزيون السعودي، وظهرت بحلتها البهية مع ظهور الألوان عام 1396ه، كما كانت تقدم على فترتين صباحية قرابة الساعة التاسعة ومسائية مع بداية برامج المساء حين الساعة الرابعة. الرسوم المدبلجة عرف التلفزيون السعودي الرسوم الكرتونية المدبلجة في أواخر التسعينات الهجرية حين عرض مغامرات سندباد في رمضان عام 1399ه، وهي مغامرة خيالية من موروث قصص ألف ليل وليلة كانت تعرض قبل مسلسل «حبّابة» الشهير آنذاك، كما عرض التلفزيون مغامرات الفضاء «جريندايزر» في رمضان عام 1400ه، وأعيد عرضه مع بداية عام 1401ه، وقد قوبلت مغامرات «جريندايزر» بمتابعة كبيرة من قبل الأطفال لاسيما الأولاد لما فيها من حروب ومعارك حتى أصبحت إلى يومنا هذا حديث أبناء ذلك الجيل، ما دفع كثير من شركات لعب الأطفال ومصانع الحلويات أن تطبع صور أبطال المغامرة ك»دوك فليد» و»كوجي كابوتو» والدكتور»آمون»، والعجوز المهرج «دامبي» على أغلفتها وألعابها، وكانت مع مغامرات سندباد من إنتاج اليابان، كما كانت مغامرات «سالي»، و»لولو الصغيرة» التي عرضت في شتاء عام 1401ه و»الليث الأبيض» و»عاصم وهاني» وفريق الجولة الذين طافوا حول العالم في ثمانين يوماً بلا توقف، وكلها عرضت في ذلك العام إلى أن جاء موعد «عدنان ولينا» الذي خلب ألباب أبناء جيل السبعينات حين عرض لأول مرة عام 1402ه، وأعيدت صباح كل خميس عام 1405ه، وحظيت بما لم يحض به غيرها من المشاهدة والتأثير لاسيما حين تظهر صورة الفتى المشاغب «عبسي» أو ربان السفينة القبطان «نامق» وكان الأطفال حينها يرددون هذه الأسماء في منازلهم ومدارسهم كدليل على حجم تأثرهم بشخصيات المسلسل. طفلة تتابع مقاطع من أحدث أفلام الكرتون على الآيباد كانت مغامرات «بسمة وعبدة»، و»الغواصة الزرقاء» قد عرضت في ذات السنة التي عرضت فيها مغامرات «عدنان ولينا» إلاّ أن جماهيرية الأخيرة طغت عليهما وعلى مغامرات «الرجل الحديدي» التي عرضت في رمضان من نفس السنة، كما كانت مغامرات «بشار» و»زينه ونحول» و»النسر الذهبي» عام 1403ه، تحظى بمتابعة ليست بالقليلة حتى إن موعد لقاء بشار بأمه ظل السؤال الدائم من قِبل الأطفال لأمهاتهم في تلك الفترة التي اكتمل عقدها في رمضان من العام ذاته حين عرض التلفزيون مغامرات صاحب الأحزان الطفل «ريمي» وهي رواية عالمية غاية في الحزن والشجن، كما هي «هايدي» التي أُخذت عن الرواية العالمية والتي عرضت في شتاء عام 1404ه؛ ليحين بعدها موعد المغامرة الشهيرة ذائعة الصيت والتي لقيت متابعة ومشاهدة منقطعة النظير من قبل ذلك الجيل، حيث كانت شخصيات «جزيرة الكنز» ماثلة أمام ناظري متابعيها لاسيما شخصية البحار الأعرج ذي الرجل الخشبية «سيلفر» الذي جمع الجسارة والحلم وحظاً وافراً من البلاغة وحسن القول، رغم أنه بدأ حياته مع القراصنة يقطع طرق البحار ويهاجم السفن ويزامل اللصوص والسارقين قبل أن يعود إلى رشده فيبحث عن الكنز المدفون في جزيرة قصية صحبه فيها «خمسة عشر رجلاً ماتوا من أجل صندوق»، وفي ذات السنة عرضت مغامرات «حكايات عالمية» و»الفتى ياقوت» تعاقبت بعدها مغامرات «جونقر» و»بندق الدب الأسمر» و»دوبه» وعائلتها اللطيفة و»فلونه» و»لبيبة» المغامرة الشهيرة التي عرضت في رمضان عام 1407ه، وعُرفت بجملتها الشهيرة «إذا ظهرت لبيبة فاسألوها.. فلب القول ما قالت لبيبه»، وهي مغامرة تستشرف حال المستقبل وبأسلوب علمي يجذب الصغار والكبار تلتها مغامرات عديدة ك «ماوكلي» فتى الأوغال و»بسيط» و»سانشيرو» و»كعبول». فوازير وأناشيد لم تكن برامج الأطفال في التلفزيون السعودي تقتصر على الرسوم الكرتونية، إذ كانت الفوازير تعرض في رمضان منذ عام 1397ه حين كان الأطفال يغنون «ونقدم فزورة حلوة على نغمة مزيكا وغنوة» و»رُمانا يا رُمانا عن رمضانا وجانا».. كانت هذه الفوازير عبارة عن مسابقات رمضانية خاصة بالأطفال تميز فيها تلفزيون المدينةالمنورة، كما كانت برامج الأطفال المقدمة من استوديوهات الرياضوجدةوالمدينة والقصيم والدمام تقدم برنامج الأطفال الذي تستقبل فيه زوار التلفزيون من هؤلاء الأطفال وتعرض معهم المسابقات والأناشيد كأنشودة «زهرتي» و»جمال أبي» و»مرة أخوي أخذ كبريت» و»يا بابا يا غالي ما غبت عن بالي»، و»فستاني يا بابا موديله راح مقدر أرحبه السنة ديه»، و»أنا عندي عروسة ألعب فيها.. بابا من الديرة شاريها»، و»شنطتك الزينة»، و»أحلى المصايف في بلادي» وأنشودة أطفال الرياض للملك خالد - رحمه الله - بمناسبة العيد «مبارك عيدك يا خالد... خالد يا أحسن والد»، و»عمتي العزيزا يا الله نلعب غميما».. كل هذه الأناشيد كانت محل متابعة الصغيرات اللاتي لم يجدن في مغامرات «جريندايزر» و»جزيرة الكنز» ما يحاكي طفولتهن البريئة. كما كان ثمة برامج أخرى موجهة للأطفال ليست مسابقات ولا رسوم متحركة كمسلسل «الثعلب المكارم»، وبرنامج «افتح يا سمسم» الذي عرض عام 1400ه والجزء الثاني منه عرض عام 1404ه، وكذلك برنامج «المناهل» و»بوبو» بطولة لطفي زيني - رحمه الله - و»هلا» الذي عرض في رمضان عام 1407ه. ألعاب مختلفة كانت بداية فترة الثمانينات قد شهدت انتشار لعبة ال»أتاري» التي كانت تباع بغالي الأثمان، ويشار إلى صاحبها بالبنان بل يلجأ أقرانه من أطفال الحي لمؤاخاته وخطب وده لا لشيء سوى الحصول على إذن منه باللعب معهم بألعاب الفضاء أو ألعاب الكرة، استمرت ال «أتاري» حينها مسيطرة على الألعاب التلفزيونية لحين ظهور «أتاري نجم»، و ما عرف آنذاك ب»كمبيوتر صخر» الذي اكتسح الألعاب الإلكترونية وظهر وحيداً يمثل الخيار بل المطلب الأول لدى الأطفال، ثم جهاز «العائلة» حتى ظهرت ألعاب ال»سيجا» وال»سوبر نيتاندو» وال»بلايستيشن»، وتقدمت البرامج وتنافست الشركات العالمية في تقديم الأفضل عبر تطوير برامجها وتقنيتها حتى دخلت ألعاب الأطفال في زماننا هذا المنازل والجوالات والسيارات عبر أجهزة ال «ديفيدي» وال «آي بود»، وصار الطفل يستطيع أن يشترك مع أقرانه عبر شبكة إلكترونية يتسابق فيها مع من يريد منهم ويلعب إن لم يجد شريكاً مع الجهاز نفسه، بل يختار من خلال جهازه قوة خصمة من ضعفه، كما يختار المسابقة أو اللعبة التي يريدها من بين مئات بل ألوف الألعاب والألغاز. وفي البرامج التلفزيونية والمسلسلات والمسابقات والرسوم المتحركة يستطيع الطفل في زماننا هذا أن يدير عبر الموجة ما يريد مشاهدته، لاسيما وقد ظهرت القنوات المخصصة للأطفال ليس هذا فحسب، بل إن الطفل بدلاً من أن يختار البرنامج الذي يريده سوف يختار القناة التي يريدها، ويتعدى ذلك كله أن باستطاعته المشاركة في البرنامج عبر الاتصال الهاتفي أو عن طريق شبكة النت، وله حينها أن يسأل عن»سبونج بوب» أو «دوره» أو الديناصور «بارني»؛ في حين كان الأطفال قبل أكثر من ثلاثة عقود ينتظرون ساعات طوال من أجل أن يحظوا بإطلالة «سكوبي دو» أو «القبطان نامق»!. «جزيرة الكنز» خمسة عشر رجلاً ماتوا من أجل صندوق» «هايدي» أُخذت عن الرواية العالمية وعرضت في شتاء عام 1404ه زينة ونحول عام 1403ه موعد لقاء بشار بأمه ظل السؤال الدائم من قبل الأطفال لأمهاتهم