تتعدد الألوان الشعبية في جنوب المملكة وتحديدا في منطقة عسير وهي تختلف باختلاف استخداماتها وأزمنتها ومناسباتها حيث تتعدد الألوان والرقصات ولكل قبيلة من قبائل عسير لون خاص وإن تشابه بالمسمى في البعض منها فإنه يختلف بالإيقاع والحركة والأداء. ومن أشهر تلك الألوان الشعبية لون العرضة الجنوبية والخطوة والدمة والزامل والقزوعي والزحفة واللعب وهي ممتدة باختلافاتها على محافظات عسير من بلاد بلقرن حتى ظهران الجنوب وبيشة وتثليث ومحايل عسير والساحل التهامي كافة ورجال ألمع ورجال الحجر وقبائل عسير. في هذا العدد نسلط الضوء على "لون الدمة " وهو لون شعبي قديم لدى بعض من قبائل عسير السراة وتهامة وليست كافة عسير وله مناسباته المتعددة القديمة والحديثة فهو لون وفن حماسي من الفنون الاستعراضية التي تتميز بالإثارة والقوة والسرعة في الأداء وهذا ما كان يستخدمه السابقون ايام الحروب قبل توحيد المملكة والأمن الذي يسودها الأن . فهو بالدرجة الأولى يعتبر رقصة حرب إلى أن تعددت استخداماته الأن ليصبح من مظاهر التعابير بالفرح في الأعياد والزواجات وعدة مناسبات منها استقبال الضيوف والختان . ولم يقف لون الدمة على تلك الصفوف التي تتشكل خلال أدائه وترديد ما ينطقه شاعر الدمة إلا أن جمالياته تكمن أيضا في أبيات الشاعر حيث للدمة نظام شعري دقيق لابد أن يتماشى مع اللحن فهو شعر متميز ويختلف عن بقية شعر الموروث وينفرد بمقطعين كل مقطع إما شطران من الأبيات أو ثلاثي ورباعي أيضا أو مخمس وكذلك مسبوع تتوازن قافية الشطر الأول بالشطر الثاني وتختلف بالثالث والرابع وهكذا وتتوافق الأوزان بالمقطع الثاني. ويعتبر شعر الدمة من أصعب الأبيات تركيبا فبحجم هذا اللون ومكانته يعتبر شعرائه قليلين في هذا الوقت وهناك من قصائد ماتسمى المناضيم التي تصل إلى أكثر من 80 بيت شعر . ومن الشعراء البارزين في عسير قديما من شعراء الدمة التي مازالت المجالس العسيرية تحتفظ بأسمائهم وقصائدهم منهم " الشاعر معني الناجحي من بني مغيد بعسير وهو قبل 200 عام تقريبا إضافة إلى الشاعر محمد بن مانع الهازمي من رجال ألمع توفي قبل قرابة 70 عاماً، وعلي بن ظافر من آل سعيدي من علكم قبل 60 عاما أيضا، وعلي بن عبده الجفالي من آل عاصمي وتوفي تقريبا قبل 80 عاما ، وابن زيد من طبب ، ومحسن ابن الجحل من قرية مزمة من آل عاصمي وكذلك الشاعر محمد بن علي بن يحيى من بني مغيد توفي قبل 80 سنة. ومن قصائد لون الدمة القديمة نستعرض لكم قصيدة للشاعر محمد بن يحيى وهي وصية لمن يحمل البندقية آنذاك: ومعي وصية للمبندق لا يملها من ليس له قلبين ما يعرف يشلها ويميز القواس من قبل ان يوكدي وان شرَّكت بك في المحاضر لا تعلها راعي المعوض يحتذر من خوف شرها صناعها في البحر ما ظني يعوّدي وفي توضيح لبعض عباراتها يقصد الشاعر بعبارة "شركت" أي لم تنطلق الرصاصة فيما يقصد " براعي المعوض" هو الرصاص الذي يعاد تصنيعه محليا . ومن الأبيات المشهورة ومعقدة التركيب واللفض منها أبيات الشاعر بن عشقة يتحدى فيها شاعر أخر من عسير قال فيها : جاك المترجم واعجب المجمع تراجمه والموج متجلجل يالجاهل تراجمه وارجا رجا نبي واجيك باجسام الجنايز والجماجمِ ياجوج والماجوج جوني بالمراجمِ فجاجلوني فجر جرفٍ فراجمَ وهناك العديد من شعراء الدمة قديما سنتناولهم وقصائدهم في مواضيع قادمة بإذن الله.