بعد استقرار أوضاع الإرسالية في البحرين سعى القائمون عليها للتحرك إلى منطقة هامة أخرى ألا وهي (مسقط)؛ التي تحتل موقعاً حساساً لا يقل أهمية عن البصرة، فقد كانت تسيطر على الطرف الجنوبي للخليج العربي وهو طريق مائي هام في الشرق، فتحركت الإرسالية العربية التي سبق أن مارست نشاطها في مناطق أخرى من الخليج إلى مسقط سنة1310ه/ 1893م وبدأت بإنشاء ثالث محطة هامة لها في المنطقة، وفي 1327ه/1909م خصصت الإرسالية جزءاً من مبانيها التي أقامتها هناك كمستشفى لمعالجة الناس، وكانت قد بدأت بمد نشاطها إلى (مطرح) فأصبحت محطة فرعية عندما بدأوا بتقديم خدماتهم الطبية هناك سنة1332ه/ 1914م وافتتحوا مستشفى وعيادة للنساء في السنوات التالية وبعد فترة طويلة من العمل قامت الإرسالية ببناء مستشفى جديد في سنة1353ه/ 1934م ثم افتتح في عام1367ه/ 1948م مستشفى شارون تومس للأمراض المعدية، ثم أضيف إليه مبنى آخر لعلاج المصابين بالجذام. انتقل العمل بعد ذلك إلى الكويت التي يكتسب موقعها على رأس الخليج أهمية إستراتيجية وتجارية كبيرة وقد وصل المبشرون إليها في سنة 1318ه/ 1900م ثم في سنة1321ه/ 1903م ولكنهم لم يمارسوا عملهم فعلياً بسبب المعارضة الرسمية للتبشير التي استمرت حتى سنة 1328ه/ 1910م حيث طلب الشيخ مبارك أثناء زيارته للبصرة من الدكتور بينيت Binitt أحد قادة الإرسالية العربية معالجة ابنته وبعد نجاحه في معالجتها بدأت علاقتهم الفعلية بالكويت وممارسة الطب فيها، وفاتحوا الشيخ بشأن مشروعهم لإنشاء مستشفى في الكويت فوافق على الفكرة وقاوم في سبيلها المعارضة الشعبية الرافضة لهؤلاء بسبب اقتناعه بأن المستشفى سيوفر الفائدة لعائلته ولشعبه. وفي سنة 1331ه/ 1913م وضع حجر الأساس لمستشفى الرجال، ويذكر الحاتم في كتابه (من هنا بدأت الكويت)أن الناس في البداية لم يكونوا مطمئنين لهذا المستشفى وكانوا يسخرون به ويتهربون منه لدرجة أن الشيخ مبارك أرسل إلى المستشفى حصاناً لمعالجته من باب التجربة ليتأكد من فائدته!! ورغم ذلك فقد تقبل الدكتور (بينت) الواقع وعالج الحصان بإجراء عملية جراحية لاستخراج دمل كبير في فخذ الحصان!! ثم بعد ذلك أرسل أحد خدامه المريض فعولج وشفي بعد ذلك بدأت الثقة في المستشفى، وما لبث المبشرون حتى عملوا على إنشاء مستشفى خاص بالنساء فأقيم مبناه في سنة 1917م لملاحظتهم أن المرأة بسبب القيود الاجتماعية في تلك الفترة لا يمكن لها تلقي العلاج في مستشفى الرجال على يد الأطباء الرجال حتى ولو أدى المرض إلى موتها، وهذا كلام ليس على إطلاقه ولكنهم رأوه وسيلة جيدة للتأثير على النساء بعيداً عن مراقبة الرجال، وكانت أول مريضة في هذا المستشفى جارية سوداء اسمها (مبروكة) ولما سئلت عن اسم والدها لتقييده في سجلات المستشفى أجابت بأنها لا تعرفه لأنها اختطفت وهي صغيرة من السودان!! وفي عام 1364ه/ 1945م بدأت الإرسالية تمددها إلى قطر حيث ذهب القس ج فان بيرسم G. Van Peursem والدكتور و. ه . ستورم W.H.Storm في رحلة طبية تبشيرية إلى قطر. وقد طلب منهم القيام بفحص ضغط دم الحاكم في قصره وفي خلال تلك الزيارة طلب الشيخ منهم أن يأتوا إلى بلده لافتتاح مستشفى وبعض العيادات الطبية في بلده فوجدوا في هذا الأمر فرصة جيدة لافتتاح فرع لهم هناك لتكون محطة فرعية تابعة لمحطتهم في البحرين. وفي خريف عام 1366ه/ 1947م أصبح المستشفى جاهزا للعمل، ولكن الخدمة الطبية في هذه المنطقة لم يكتب لها الاستمرار. وبعد خمس وثمانين سنة من النشاط المتواصل للإرسالية العربية في الخليج العربي اتخذ مؤتمر الكنيسة الإصلاحية المنعقد في شهر آذار (مارس) في سنة 1973م قراراً رسمياً بإغلاق الإرسالية العربية الأمريكية والمؤسسات التابعة لها، ورغم أن الكنيسة الإصلاحية لم تذكر علناً السبب الذي دعاها لاتخاذ هذا القرار إلا إنه كما يبدو اتخذ لقناعة الكنسية الأم بعدم جدوى الاستمرار بالعمل في هذه المنطقة التي لم تتحقق فيها أهدافهم التنصيرية.