: رؤى مشتركة وخبرات تراكمية.... مأسسة العمل الخيري.... اختيار الكفاءات و تأهيلها استمتعت بقراءة كتاب عنوانه \"الدكتورة ماري في جزيرة العرب\"، و هو من تأليف الدكتورة ماري اليسون، و ترجمة إيمان بنت عبد الرحمن الكرود، و هو من منشورات مركز البحوث و الدراسات الكويتية. و الدكتورة ماري (أو الخاتون وسمية، اسمها الكويتي)، من أوائل الطبيبات اللاتي زاولن مهنة الطب في الكويت كمدخل للتبشير بالدين المسيحي، من خلال مؤسسات الدعوة البروتستانتية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. في مذكراتها تتناول نشأتها في بيئتها المحافظة و دراستها للطب و تأهيلها للتبشير ومن ثم تروي ذكرياتها في العمل الطبي و التبشيري في الكويت. وقد قدمت إلى الكويت عام 1934م.، حيث مكثت في المنطقة قرابة 40 عاما، منها 30 عاما في الكويت و البحرين و عمان و قطر و غيرها. و قد تقاعدت عن العمل عام 1975م و نشرت مذكراتها عام 1994م و توفيت عام 1995م. ومن باب الأمانة التاريخية، فانه يشهد لأطباء الإرساليات (التي تواجدت منذ عام 1892م) مساهمتهم في علاج المرضى و إدخال التقنيات الطبية (مثل المجهر و أجهزة أشعة أكس و غيرها) إلى المنطقة و علاجهم للفقراء بالمجان، آخذين بالاعتبار هدفهم الأسمى ألا و هو التبشير. ولدت الدكتورة ماري عام 1903م لأسرة محافظة مسيحية بروتستانتية و لأب قسيس. درست في الثانوية اللغة الألمانية، وبعد تخرجها عملت مديرة لمدرسة ثانوية و مارست مهنة التدريس أيضا، و العمل في مهن أخرى لكي تجمع نقودا تساعدها في إتمام دراستها للطب. و قد التحقت بكلية بنسلفانيا النسائية الطبية في ولاية فيلادلفيا الأمريكية. و بعد تخرجها، قررت أن تحمل لواء التبشير بالدين المسيحي عن طريق ممارسة الطب خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد تحقق لها ذلك، حيث قررت الذهاب للتبشير إلى الكويت عن طريق إحدى مؤسسات الدعوة البروتستانتية و التي تحرص على انتقاء الصفوة المتميزة في التحصيل الدراسي ليصبحوا قادة العمل التبشيري. و بعد قبولها، انخرطت الدكتورة ماري في برنامج تأهيلي لأعدادها كداعية و مبشرة للمسيحية و بعدها بدأت بتعلم اللغة العربية. وقد ساعد في تكفل نفقات سفرها للكويت خالها، كما أن نساء من ولاية ميتشغان ساعدن في رفع راتبها، نعم رؤى مشتركة من الجميع. و هكذا و صلت في عام 1934م للعمل في مستشفى الإرسالية في الكويت (انشأ عام 1911م). عندما و صلت للكويت لم يكن هناك نظام للتعليم الرسمي و لم يكن هناك نظام للصرف الصحي، وكانت هناك نسبة مرتفعة من الوفيات بين الرضع و قد انتشرت أمراض السل و التراخوما. و تروي موقفا دراماتيكيا، حيث تقول أن امرأة وفدت إليها و معها ضرتها المصابة بالسعال، وقد طلبت تلك المرأة من الدكتورة أن تكتب ملاحظة تقول أن ضرتها مصابة بداء السل لكي يطلقها زوجها! من جهة أخرى، فقد مكنتها مهنتها من التغلغل داخل النسيج الاجتماعي الكويتي بمختلف أطيافه وخاصة المجتمع النسائي. وقد ذكرت أن الاختلاف بين النساء في الكويت ماقبل البترول كان قائما على أساس الثروة و الوضع الاجتماعي، ثم أصبح الأصل الاجتماعي و الديني هو الفاصل بين الناس. و تروي أن حالات مرضية وفدت عليها بسبب شرب أو تسخين الكيروسين، و الذي كان يظن انه ماء، بسبب لونه! و تروي ان انها قابلت امرأة لبنانية زعمت انها اختطفت من قريتها المسيحية لتتزوج من احد الوجهاء في الجزيرة العربية. و بعد التقصي الميداني، اكتشفت ان الأم باعت ابنتها و ذلك بسبب الحاجة و الجوع! تحرص بعثات التبشير على مأسسة عملياتها و برامجها، حيث تعقد اجتماعات دورية في إحدى مراكز التبشير في الخليج لمراجعة أداء تلك البعثات و التحديات التي تواجهها. كما تناقش تلك الاجتماعات التقارير المالية و تعتمدها. كما أن برنامج الأطباء اليومي يتضمن ترتيل ترانيم دينية كل صباح بين المرضى و العاملين و إقامة قداس يوم الأحد و إحياء المناسبات الدينية، مثل عيد ميلاد المسيح. في كتابها تثني على الدعم الذي تلقاه مستشفى الإرسالية من الأعيان و التجار و عمال شركة نفط الكويت و الذين ساعدوا في ترمم المستشفى و غيره. في مذكراتها المذكورة تعترف بارتكابها أخطاء طبية أسفت عليها، كما أنها فشلت في حياتها الزوجية، و تقول أنها تتسم بقدر من الأنانية. وتقول أيضا \" الأشخاص الذين يتمتعون فطريا بالثقة هم فقط الذين يملكون الجرأة و القدرة على كتابة المقالات\". و عن سبب فشل التبشير في الخليج، يذكر الكتاب أن الدين الإسلامي راسخا بقوة لأنه يشكل إطارا للحضارة و الحكم. و يذكر الكتاب أن كثيرين من الذين تنصروا رجعوا للإسلام. كما ذكر آنفا فان سر قوة المؤسسات التبشيرية يكمن في انه لديها رؤى مشتركة و انها قائمة على مأسسة العمل الخيري و تتحرى الدقة في اختيار أفضل الكفاءات و تأهلها للمستقبل، كما ن لديها خبرات تراكمية. عبد الله ابراهيم المقهوي ،الأحساء