المشكلة الأساسية: تواجه المملكة العربية السعودية، أسوة بمعظم دول الخليج، مصاعب جمة فيما يتعلق بتأمين احتياجاتها من الموارد والطاقات البشرية العاملة سواء المؤهلة أو المدربة فنياً أو اليد العاملة العادية وذلك لسد متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأسواق العمل المنفتحة على اختلافها كالمتاجر والمؤسسات الأهلية أو لسد حاجة برامج ومشاريع التنمية الطموحة خلال فترات قياسية كإنشاء شبكات الطرق أو المدارس والمؤسسات التعليمية وكذلك المرافق الصحية والمطارات وسواها من متطلبات تأسيس البنية التحتية لنهضتها وتطلعاتها نحو مستقبل أفضل. كل ذلك تم ويتم خلال مراحل زمنية قصيرة بحكم ما توفر للبلاد من إمكانات مالية غير مسبوقة والناجمة عما وفرته لها مواردها النفطية الكبيرة. هذا وقد تميزت مرحلة العقدين الأخيرين بالذات بحركة نشطة كبيرة بإنشاء أعداد من الجامعات والكليات الجديدة وكذلك المعاهد الفنية والمهنية مما لا بد أنه أدى وسيؤدي إن شاء الله إلى دفع المزيد والمزيد من أفواج الخريجين والخريجات من القوى البشرية المؤهلة نحو أسواق العمل في مساعيها للحصول على فرص التوظيف في القطاعين الأهلي والعام. إن هذا الواقع وما ينطوي عليه من مشاكل لا حصر لها في أسواق العمل وتوطين التوظيف وستتضاعف حتماً مع مضي الوقت مما يوجب على جميع الهيئات المعنية من حكومية وغير حكومية وعلى رأسها وزارة العمل مضاعفة الجهود في ايجاد السبل والوسائل الكفيلة باستيعاب هذه الأعداد المتزايدة من أبناء الوطن من القوى البشرية المتدفقة على أسواق العمل المتاحة. وقد فوجئ الكثير منا بالتصريح الصادر مؤخراً من أحد مسؤولي وزارة العمل بأن هناك مليون عاطل عن العمل في بلادنا في الوقت الحاضر. هذا ولا بد من الأخذ بالاعتبار الأعداد المتزايدة من النساء المتقدمات لفرص العمل المتاحة لهن بعد حصول أعداد كبيرة منهن على مؤهلات علمية ومهنية جيدة. المشكلة الثانية: الاستقدام والقوى العاملة الوافدة ومدى تأثير ذلك على أسواق العمل في المملكة: لفت نظري ما سجله الدكتور حسن غباش من دولة الإمارات الشقيقة من إحصاءات في بحث له تحت عنوان «اختلال الخليج» عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض. فلقد أوضح الدكتور غباش خطورة الوضع القائم في الجدول التالي الذي يوضح نسبة العمالة المستقدمة من عمال وحرفيين وفنيين إلى السكان من أبناء البلاد وانعكاسات ذلك على مستقبل المنطقة وآثارها السلبية البعيدة المدى: - الكويت: 60٪. - البحرين: 50٪. - السعودية: 40 - 50٪. - الإمارات: 90٪. - فحسب ما توضحه هذه الأرقام لا يمكن لأي عاقل إلا ان يدرك خطورة ما تعنيه من آثار موجعة على دول هذه المنطقة وسلامة مستقبل مجتمعاتها خلال العقود القريبة القادمة مع الأخذ في الاعتبار: - إن هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة ما هي إلا نتيجة لما سبقت الإشارة له من حيث تسارع برامج ومشاريع التنمية الطموحة لدى معظم دول المنطقة وانفتاح الأسواق على مصراعيها بحكم ما توفر لديها من قدرات مالية فائقة مضافاً إليها تخلفها الجلي في مجال تنمية وإعداد طاقاتها البشرية المؤهلة. - إن هذه الدول وجدت نفسها في مواقف لا تحسد عليها فمن ناحية عليها أن تتبنى وتنفذ كافة برامج ومشاريع التنمية العاجلة لمجتمعاتها على اختلافها، ومن ناحية أخرى فإن عمليات تنمية وإعداد قواها البشرية المحدودة أصلاً، وأن ما أمكن توفره مما لا يتناسب في الكثير من الأحوال مع متطلبات أسواق العمل خاصة في مجالات الصحة والصناعة والسياحة وكذلك العديد من الخدمات الاجتماعية. المشكلة الثالثة: مساعي التوفيق بين الطلب والعرض في قطاع القوى العاملة: إذا نظرنا إلى القضية من زاوية الطلب نجد أن هناك حاجة ماسة إلى أقصى حد للقوى العاملة المؤهلة في خضم ما يجري من تنفيذه من مشاريع تنموية، وفي المقابل نجد أن ما يتوفر من عرض لمواجهة ذلك لا يزال وسيستمر لسنوات طويلة يقل عن الحاجة لضعف البنية السكانية من ناحية ومن ناحية أخرى انعدام الاستعداد لدى غالبيتها للقيام بالأعمال اليدوية الشاقة كأعمال النظافة والصيانة وبعض النشاطات المماثلة وأيضاً لضعف الأجور المحددة لها. ومما لمسته إبان عملي في الخدمة المدنية أن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الصحي كمثال لا تزيد على 10٪ مقارنة بالعمالة الوافدة وأغلب الظن أن هذه النسبة لاتزال قريبة عما هو عليه الوضع في وقتنا الحاضر. هذا ومن المشاكل التي كانت قائمة آنذاك ولا تزال تتمثل في أن ضغوط العمل الشديدة مضافاً إليها ساعات الدوام الطويلة مقارنة بما يتم في الأجهزة الحكومية من ضمن أسباب انعدام الحماس لدى نسبة لا يستهان بها من القوى العاملة الوطنية المؤهلة للعمل في قطاعات العمل الأهلي. ومما أتذكره في هذا المضمار انه كان يراجعني بين حين وآخر بعض الشباب المؤهل ممن يعملون في مؤسسات أهلية كبرى كبعض البنوك والشركات في مساعيهم للحصول على فرص وظيفية حكومية بالرغم من جزالة ما يتحصلون عليه من رواتب مقارنة بما يمكن ان يتحصلوا عليه جراء عملهم في وظائف الدولة. وفي اعتقادي ان المتابعة الجادة فيما يخص جوانب العمل في القطاع الأهلي مقارنة بمحدوديتها في الكثير من الدوائر الرسمية قد يكون، للأسف الشديد، من الأسباب المؤدية إلى مثل هذا التوجه السلبي لدى بعض شباب بلادنا. وفي المقابل نجد أن فئات القوى العاملة الوافدة (سواء المؤهلة منها أو غير المؤهلة) تتصف الغالبية منها بقدرات واستعدادات على الانضباط وتحمل مشاق الأعمال والواجبات المتطلبة منها بالرغم من الضعف النسبي لما تتحصل عليه فئات عديدة منها من أجور مقارنة بما يتحصل عليه المواطنون أمثالهم. - التعليم العام والتدريب الفني والمهني ومدى استجابته لاحتياجات سوق العمل ومتطلباته. - مستوى الأجور وساعات العمل واجراء المقارنات بشأنهما بين القطاعين العام والخاص. هذا ومما لا شك فيه أن هناك جوانب تفصيلية متشابكة تربط بين هذه العناصر وتتطلب العديد من الدراسات والبحوث الجادة حيالها. لذا فإن إعادة تفعيل الدور الذي كان مناطاً بالمجلس والذي كان يضم في عضويته الهيئات الحكومية ذات الصلة بالقوى البشرية العاملة في البلاد وهي إضافة إلى وزارة الداخلية كل من: - وزارة العمل (والشؤون الاجتماعية - سابقاً). - وزارة التخطيط. - وزارة المالية (والاقتصاد الوطني - سابقاً). - الديوان العام للخدمة المدنية (سابقاً). علماً انه كان هناك أمانة عامة تعين المجلس في أعماله واجتماعاته بالاضافة إلى تنسيق أو إعداد الدراسات والقضايا المتطلب عرضها عليه. في حالة الأخذ بالتوجه المقترح فإن إعادة النظر في تشكيلته تبعاً لما تم حدوثه من تغييرات في اختصاص بعض الأجهزة كالعمل والمالية والتخطيط والخدمة المدنية وإن اضافة كل من وزارة التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية، والتعليم العالي بالاضافة إلى وزارة التجارة والصناعة التي لا شك أن لها دورا ملحوظا في مجال التوظيف في القطاع الأهلي والأجور أيضاً. كما قد يكون من المناسب مشاركة عضوين أو ثلاثة أعضاء يمثلون (الغرف التجارية والصناعية) من الأمور التي ستعين المجلس في تحمل أعباء مسؤولياته الجسيمة. وأن الأمل كبير إن شاء الله، أنه من خلال استعادة مجلس القوى العاملة لدوره بحكم ما كان مناطا به من مهامه والتقاء أعضائه من القياديين من ذوي الاختصاص في لقاءات واجتماعات منتظمة عوضاً عن المكاتبات الرسمية سيسهل إلى حد كبير في معالجة قضايا القوى العاملة في المملكة من جميع الوجوه التي سبق أن تطرقنا لها وما لا بد أن يستجد عليها من تطورات أو ما تمليه عوامل الزمن من تحولات لا مناص منها. والله من وراء القصد.