ثمة شيء لا يمكنك السطو عليه، مهما بذلت من جهد، ومهما حاولت أن تستعد لتحقيق ما تريد الوصول إليه. معرفة ما بداخل الآخر من أسرار. كان ذلك همه الأوحد وإدراكه الذي لا يريد الانفصال عنه. حمّل نفسه بما لا يستطيع تحمله. أصر أنه لم يكن هو بل توسع تلك الدائرة حوله من الهزائم، والكوارث وصور الإحباط المتكررة. كلما دخل في دائرة فضوله الشخصي، وبحثه داخل الآخر عما يعتقد أنه وقود الحياة الخالية من المشاكل والتي تستحق أن تعاش شعر بضغط نفسي رهيب، وتحفّز لتبرير عقله حتى يتمكن من مراقبة أسراب إحباطه والسيطرة عليها. كرّس لحظاته لإقامة تضاد كامل بين ما يريد، وما يخبئه الآخر له، أو ما تخبئه الأيام. معتقداً أن الاعتياد هو التصادم معه في كل تفاصيل حياته، والاعتياد أن تتناقض معتقداته بين ما يريده، وما يستحقه فعلياً، وبين ما يحصل عليه، أو يسرّبه الآخرون على نحو موجع وأليم. طريقة الرؤية للأشياء كثيراً ما تحدد أماكننا، وكثيراً ما تعزز النظرة التي يتم النظر بها سواء كانت عفوية مندهشة، أو حائرة متأملة، أو كاشفة لما تراه ومدركة لقانون سطو الآخر. إحدى المرات استعد جيداً للقراءة، كان الأمر كما يبدو له بسيطاً ولا يستحق المعاناة، كون الطرف الآخر مكشوفاً، واعتقد أنه وصل إلى ذاته ولامسها، وضع يده على ما حملت ذات من يقف أمامه من أفكار.. اغمض عينيه عندما حاول الاقتراب.. لم ينتبه الطرف الآخر.. استمع إليه لم تكن المرة الأولى التي يلتقيه - لكنها المرة الأولى التي يستعد فيها له، كان مهيأ، وبدا لنفسه انه قويٌ.. حاول أن يبدو قادراً على رؤية الموقف.. وأن ينتسب إلى ما استعد له، تأكد جيداً انه يقرأ ما بداخل من ذهب إليه.. وانه هذه المرة سينجو لا محالة من الاستهداف الشخصي دون أن تسيطر عليه حالة الذهول، والسقوط في الفراغ المعتاد. عندما انتهى الطرف الآخر أدرك انه استعد لكل شيء سوى للحظة إنقاذ الموقف، وأنه وضع كل شيء أمامه عدا تلك العدسة التي تعمل لتصور ما بداخل الآخر، ومن ثم تبعثها إليه قبل انطلاقها. وصل إلى قناعة أن ما فكر به كان في بدايته تفاؤل وفي نهايته توسيع لدائرة الظلم التي يتعرض له والتي قضت على كل معاني الحياة لديه. شعر بإحساس متفاوت في النهاية هو ينتسب إليه من لا يمكن أن يتجاهله، حركة واشتعال النار داخله التي كانت تنبئ بحريق ترمدت بما يكفي ليس لإعادة التوازن، ولكن لفقد الكثير من الرصيد. لا يكفي أن تحاول معرفة ما لدى الآخر وتجتهد وتحرك كل ينابيع الأمل الممزوجة بالحلم والخيال، ولكن لابد من قياس نقطة الوصول وعدم الاختلاف في ذلك. ومحاولة معرفة الطريق أولاً ومزج النظرة الحياتية بالعقل والقلب والروح والتسامح، وترك الباقي لمنازلة الزمن.