الهجمات المتتالية التي يشنها رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود برزاني ضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لافتة جدا للانتباه. ولعل اكثرها لفتاً للانتباه تلك التي ادلى بها في واشنطن بعد لقائه الرئيس الامريكي ونائبه. إذ يبدو ان البرزاني قد تمكن من اقناع الامريكيين بوجهة نظره حول جدية التهديد الذي تمثله سياسات المالكي للتوازنات التي اقاموها قبل انسحابهم. بدا واضحا، من خلال هذه التصريحات، أن الطلاق قد وقع بين الرجلين وأن ما ساقه البرزاني من تجاوزات ما هو إلا لتبريره فقط. فقد اتهم المالكي بجملة من الاتهامات يأتي على رأسها انه يسعى لإعادة إنتاج الدكتاتورية بجمع الصلاحيات في يده فهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع ووزير الداخلية ومدير المخابرات. والأخطر من كل ذلك، بالنسبة للبرزاني، وجود مخطط لدى المالكي لطرد الأكراد باستخدام الجيش الموالي له، من اربيل إلى الشمال. فالمالكي الذي يقود جيشاً من مليون عسكري حاليا "يبني الجيش على اساس ثقافة الولاء لشخص واحد هو القائد العام للقوات المسلحة" ورغم ان البرزاني يحاول جعل الخصومة محصورة بالمالكي شخصيا إلا انه لايمكن ان يفوت المراقب ان هجمات البرزاني تضرب اساس التحالف الكردي - الشيعي الذي يحكم العراق اليوم. اذ يمكن ملاحظة ان اللغة التي يستخدمها تحمل تهديدا بإعادة النظر في ذلك التحالف، ووضعاً للأطراف الاخرى فيه في موقع الشراكة مع المالكي في المسؤولية. فالبرزاني يقول :" اذا كان هو يريد تدمير العلاقة التاريخية بين الكرد والشيعة فهو يتحمل مسؤولية ذلك". الخلاف بين بغداد وأربيل يُظهر ان التحالفات التي بنيت بعد سقوط نظام صدام حسين كان آخر أهدافها مصلحة العراق. فتلك التحالفات لم تكن نتيجة توافق سياسي بقدر ما كانت نتيجة اصطفاف مذهبي - عرقي لتحقيق اهداف مكوناته. والحقيقة ان المالكي والبرزاني وجهان لعملة واحدة فالبرزاني حصل من خلال هذا التحالف على رئاسة إقليم يملك كل مواصفات الدولة المستقلة. فهو رئيس ولديه رئيس وزراء وجيش وعلم وحدود. وهو فوق ذلك يقوم بعقد الصفقات النفطية واستغلال خيرات العراق ويملك حصة من حكم العراق ويشارك في إداراته. اما المالكي فقد تمتع من خلال هذا التحالف بوضع يتيح له إطلاق يده في حكم العراق، وتجميع المناصب الامنية العليا وسلب صلاحيات الآخرين والقضاء على من يبدر منه انتقاده أو مخالفته. العراق لايمكن ان يعبر إلى المستقبل بوجود تواطؤ بين أطراف لا تسعى إلا لاقتسام الغنائم على حسابه. هجوم البرزاني الاخير على المالكي ما كان له ان يحدث لولا إخلال المالكي بقوانين لعبة اقتسام الغنائم.