كان الحطيئة شاعرا يكسب قوته من هجاء الناس ولم يسلم منه احد (حتى نفسه) التي كان يهجوها كلما نظر في الماء (وساعده في ذلك دمامته المفرطة).. وكان قد هجا أمه بقصيدة بدأها بقوله: تنحي فاقعدي مني بعيدا.. أراح الله منك العالمين وهجا أباه بقوله: فنعم الشيخ انت لدى المخازي.. قالب جمعت اللؤم لا حياك ربي وقد اشترى منه عمر بن الخطاب أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً بعدها (ولكن قيل إنه رجع لعادته بعد وفاة عمر)!! وحالة كهذه قد ندعوها جلد الذات، وقد ندعوها - كما يدعوها الأطباء النفسيون - "كراهة شكل البدن".. والمصابون بهذه الحالة يعتقدون انهم بشعون فيقضون اوقاتاً طويلة امام المرآة متذمرين من ملامحهم. فمنهم من يعتقد ان انفه ضخم ومنهم من يرى ان بشرته دميمة وثالث ان شفته غليظة ورابع ان جبهته نافرة.. وفي الغالب لا يكون لهذا الاعتقاد اساس من الصحة (او مبالغ به الى حد مرضي) ولكن حين يتملك احدهم الوسواس لا يرى في المرآة الا كل قبيح وبشع!! انا شخصياً مررت بتجربة مشابهة في سن المراهقة حيث تملكني شعور طوال خمس سنوات بأنني املك شعراً مجعداً غير متناسق (رغم انه والله العظيم زي الحرير) فكنت دائماً امسك المقص قاطعاً خصلة من هنا وخصلة من هناك حتى يصبح رأسي كالبطيخة المرقعة. وكنت دائماً أنتهي بإحباط شديد فأعد نفسي بألا أعود لمثلها ولكنني كنت اعود كلما نظرت للمرآة.. في تلك الفترة حققت رقماً قياسياً في عدم الذهاب لحلاق الحارة وكنت احاول قدر الامكان عدم المرور امامه كي لا يلاحظ (وهو الخبير) اي قصة غريبة أحمل!! هذه الحالة قد تكون معروفة لمعظمنا بمستويات متفاوتة؛ فكثير من الرجال مثلاً يقضون اوقاتاً طويلة امام المرآة ل "توضيب الشنب" حتى ينتهي بهم الحال الى ما يشبه شنب هتلر. اما بالنسبة للنساء فالعارض اكثر انتشاراً لدرجة ان 90% منهن يعانين من وسواس واحد على الاقل.. وتبدأ الحالة لدى احداهن حين تحمل معها "المرآة" الى كل مكان، وتتفاقم حين تتردد على الحمامات لرؤية نفسها في مرآة اكبر!! ويقدر عدد المصابين بهذا الوسواس في الولاياتالمتحدة بعشرة ملايين شخص يدمنون النظر في المرآة - نصفهم يعتقدون انهم دميمون لدرجة تمنعهم من مغادرة المنزل. ومن الحالات التي قرأت عنها طالبة فنون تدعى فيكي تَضخَّمَ لديها الشعور بالدمامة حتى اعتزلت الناس وحبست نفسها لأربع سنوات. وخلال هذه الفترة كانت والدتها الوحيدة التي تستطيع الدخول عليها والحديث معها وحتى في هذه الحالة كانت تغطي وجهها بوشاح اسود. العجيب ان فيكي كانت "قمة" في الجمال وصفاء البشرة ورقة الملامح.. شفاء فيكي من ازمتها أتى من جهة غير متوقعة على الاطلاق؛ فخلال فترة اعتزالها كانت شبكة الانترنت هي نافذتها الوحيدة على العالم. فقد كانت ترتاح لاستعمالها لانها تتيح لها الاتصال بالناس بدون ان يروا وجهها. ومن خلال الانترنت تعرفت على افراد عانوا قديماً من نفس الوسواس فساعدوها بالتدريج على الخروج من محنتها. وكانت أول نصيحة تقيدت بها هي كسر المرآة الضخمة في غرفتها.. واليوم خفت حالتها كثيراً الا انها ما تزال تتحاشى النظر في المرآة.. وكسر المرآة ضروري ليس فقط لتحاشي النظر فيها بل ومنع الاصابة بحالة مقابلة تدعى النرجسية أو عشق الذات.. وكلا الحالتين تشكل شطرا من بيت شعر يقول فيه عبدالله الفيصل: كلٍ بعينه زين ولما تبينت.. كلٍ زهد في خلقته مابغاها