يدفعني بعض غباء المتداولين في أسهم العلاقة بين الرجل الكبير في الأغنية السعودية «طلال مداح»، وفنان العرب محمد عبده، للبحث عن أوراق الجمال في العلاقة بينهما، التي عايشت كثيرا من جوانبها. تلك الأوراق التي أصر كثير من المنتفعين من محيطيهما من مدعيي الصداقة أو رجال الإعلام أو أشباههم على إبقائها صفراء خريفية بالية، اعتقادا من أن الجفاء بين القطبين يقربهما إلى محبيهما في دنيا الفن والموسيقى والغناء دون حساب لذكاء النجمين اللذين كانا أكبر بكثير من المتذاكين في حياضهما. محمد عبده وطلال مداح كل آمن بمكانته ومكانة زميله. خصمه.. ولد كاره... سمه كما شئت، فهما بذكائهما البالغ، الذي أوصلهما إلى أعلى الرتب في حياتنا العاطفية والاجتماعية، كانت وتظل من أهم أدبيات علاقتنا بالفن والأرض التي تنبت إبداعا من جديد كلما وصلنا صدحهما المتناغم مع كل ما هو جميل من عالم الإبداع. لكن بدا واضحا أن الأغبياء والخفافيش، تلك الأشياء تتحول أحيانا إلى أفاع تبث سموم الغباء، كما هو ديدنهم دون علمهم أن هكذا موضوعات من نوع «الهبل الجديد»، ليس له مكان في عالم اليوم المفتوح. فالأدعياء الذين لا يعرفون من طلال مداح ومحمد عبده إلا ما تصنعه مخيلاتهم البغيضة التي توصلهم إلى شواطئ الكراهية لدرجة يتماثلون فيها مع الحطيئة الذي ظل يهجو الناس حتى غدا ديدنه الهجاء، ولما لم يجد من يهجوه هجا نفسه. أعود مجددا للحديث عن أولئك من سلالة وأحفاد البغضاء ممن يهرفون بما لا يعرفون، لاسيما في المواقع الإلكترونية الذين نصبوا أنفسهم متحدثين بألسنة الأموات والأحياء دون أن تكون لهم ثمة صلة بهؤلاء، أو أولئك، والذين يعلنون الحب والكراهية دونما أسباب، أقول إن التنافس بين محمد عبده وأستاذه طلال مداح، لم يكن في يوم ما..حربا شعواء أو كراهية. إذ انهما زميلا هدف ومشوار واحد تنغص على زمالتهما بعض الزوابع وأحيانا المنغصات العابرة بسبب عمل أو كلمة من أجل حرص الحصول على العمل الأفضل، الذي يضيف له أمام خصمه أو قرينه في الساحة، وهذا حق مشروع يقدره من يعي مواصفات التنافس الشريف في المجال الواحد. وهنا سأواصل سرد بعض جميل الأوجه بينهما، ولك عزيزي القارئ أن تستمتع بالموقفين؛ الأول كان منذ ستة وعشرين عاماً (1984) عندما اختار طلال أن يكون عقد قران ابنته إلى الزميل خالد خوندنة (للأسف لم يكتب لهذا الزواج النجاح) في أضيق محيط، وفي حوش بيته الكبير في «الكيلو 10»، يومها وجه لي الدعوة ولسامي إحسان فقط من الوسط بحكم صداقتنا لأستاذه ومعلمه لعزف آلة العود عبدالرحمن خوندنة، وابنه خالد. وأذكر أني «تملقفت» يومها، ونشرت خبرا عن فرحة طلال بابنته لنفاجأ ونحن أثناء عقد القران بوصول محمد عبده مصطحبا عبده مزيد، وهو يهنئ طلال مداح بالمناسبة، ثم يميل إلي هامسا «شوف كيف..لو ما نشرت اليوم الخبر كنت ما راح أعرف وأشاركه فرحته». في المقابل، كان الموقف الإيجابي من الراحل طلال مداح قبل وفاته ب «ثلاثة أشهر» العام 2000م، عندما احتفى به شاعر الأغنية الصديق ضياء خوجة في فندق الحمرا سوفيتيل في جدة، وسط جموع أبناء الوسطين الفني والإعلامي منهم عميدنا طارق عبدالحكيم، وغازي علي، وطلال سلامة ووحيد جميل وصلاح مخارش وأحمد الحارثي وغيرهم.. المهم يومها كنت من عاد بطلال مداح إلى بيته بحكم الجيرة، لنجلس قليلاً، ويصلني هاتف وفي ساعة متأخرة أن محمد عبده أدخل في حالة طارئة إلى إحدى غرف مستشفى فقيه، وهو المجاور للمكان الذي كنا فيه أول الليل، ولم يكن من طلال إلا أن قال لي «هيا»، ولم يجد محمد عبده أمامه إلا طلال مداح إلى جانبه، ومرافقه صديقه الدكتور ياسر سلامة... وعليكم الحساب. فاصلة ثلاثية: يقول اوروك: تستطيع أن تعرف أن أطفالك كبروا عندما يتوقفون عن سؤالك عن كيفية مجيئهم إلى الحياة، ويرفضون أخبارك إلى أين هم ذاهبون. ويقول نيتشة: نحن نمدح ما يلائم أذواقنا، وهذا يعني أننا عندما نمدح فنحن نمدح ذوقنا الخاص. الرئيس الأمريكي هاري ترومان: إنني لم أعكر صفو حياتهم أبدا... إنني فقط أخبرهم بالحقيقة... فيرونها جحيما.