عندما انتقلنا من مرحلة اجتماع الأسرة على مفرش من سعف النخيل يسمونه سفره (بضم السين وسكون الفاء وفتح الراء)، إلى مرحلة "السماط ". وسماط تلك فصيحة تعنى الصف، حيث كانوا يصفون الطعام. في المعجم: وسِماطُ القومِ، بالكسر: صَفُّهُم، ومن الطعامِ: ما يُمَدُّ عليه. وهم على سِماطٍ واحدٍ: على نَظْمٍ واحد. حتى السماط تطوّر إلى مشمع من النايلون، مزخرف بعضه بالورود والرسوم، ثم اختفى كلية من التداول، ولو سألنا عنه فقد لا نجده إلا بصعوبة. كذلك مفردة الّسّفرة، فهي فصيحة كما جاء في المعاجم. فالسُّفْرَة في طعام السَّفَر. والسُّفرة التي يؤكل عليها سُميت سُفْرَةً لأَنها تنبسط إِذا أَكل عليها. "المعجم". لغةً إذا قلنا مائدة فهي عليها طعام، وإلا نقول نُضد أو منضدة، وفي العامية أهل الخليج والعراق يقولون «ميز».. وأيضاً تأتي كلمة «طاولة». وسؤالي قائم.. بغض النظر عن المسمى.. فالمائدة وكراسيها جزء لا يتجزأ من أثاث المنازل والقصور.. لكنها لا تُستعمل. فقط تضيّق..! فأسلوب ومعايشات حياة العصر جزّأت الوقت.. فالهوة قائمة بين خروج الأب موظفاً كان أو رجل أعمال، وبين خروج الصغار من المدارس.. نأتي إلى وجبة الصباح أو الفطور.. فالقلة من طلاب المدارس تفطر، كما يظهر لنا في الروايات الغربية.. والعربية أيضاً، حيث تجتمع الأسرة مهما كان مستواها على مائدة الإفطار. وفي الغرب يجتمعون على الإفطار والعشاء فقط.. واختفى «السماط» وقبله «السفرة» في المناسبات، وحل محله «بوفيه» حتى أطلق العامة كلمة «بوفيّه» بتشديد الياء على الدكاكين الصغيرة التي تبيع الطعام.. وهذا دليل تمكّن الكلمة من حياتنا الغذائية والنفسية والمفرداتية. أقول إن الأسرة لا تجتمع على مائدة الطعام لأنه في العطلة الأسبوعية الدراسية يقضي أغلبية الطلاب والطالبات صباحاتهم في النوم، بعد سهر الليل.. إذاً لماذا جئنا بالمائدة وكراسيها الثمينة. قال شاعر شعبي مادحا: صاحب ادلال وجلسة (ن) ما تملّي. مع سفرة (ن) واسماط وأذناب خرفان.