يعلم الله كم شعرت بالخزي والعار وأنا أتفرج على مقطع في اليوتيوب لراق ممسكا بمايكرفون ويسلط صوته القوي الضاج على ثلاث نساء يجلسن أمامه في حالة من الرعب المقيم.. في كل لحظة تريد أي منهن أن تلتقط أنفاسها وتستعيد شيئا من توازنها المدمر يرفع الراقي صوته بزعقة فينتفضن من الرعب وهو يشدد على قراءة القرآن بطريقة تجعل الجاهل والبسيط ينتابه الهلع. وبعد قليل من القراءة ينحني عليهن ويخاطب الشيطان داخلهن يطالبه بالخروج. ثم يؤشر بأصبعه آمرا الجني بالخروج من أصابع القدمين. تشاهد في كثير من هذه المقاطع الخرافية أن الراقي يقوم بنفس الحركة مما يعني أن هناك اتفاقا أن الشيطان يخرج من أطراف الأصابع. وبعد قراءة زاعقة وأمر بالخروج تقفز المرأة من مكانها مرعوبة تبحث عمن تلجأ إليه لإنقاذها من هذه الأجواء الشيطانية فتقع أمام رجل عربي (يلبس بنطلون), وضع في اليوتيوب (إخراج الجن من جسد نساء ) من حق تلك النسوة وغيرهن بالآلاف أن يحصلن على الحماية من عبث هؤلاء. مجرد أن تحزن امرأة في البيوت البسيطة أو تنتابها بعض هواجس المراهقة ينقض عليها هؤلاء. تنقل من إنسان سوي يواجه مشكلة نفسية بسيطة إلى الجنون. يدمر عقلها وتنفي من الواقع مع سلب أموالها وأموال ذويها. لم يحمل لنا التاريخ شيئا اسمه راق. لم نعرف هذه الوظيفة سوى في أيامنا هذه. مفهوم الرقية بسيط جدا. ينطوي على شيء من الروحانية. تتم في البيوت بين الأهل. الإيمان بالقرآن مصدر أهميتها. لم يرتبط الإسلام كدين بوظائف دينية يمكن المتاجرة بها وتحقيق أرباح. لا يوجد في الإسلام سوى ثلاث وظائف بسيطة. الفقيه والمؤذن وإمام المسجد. مع التأكيد أنها أعمال تطوعية لا تكسب أصحابها سوى الاحترام. كل واحد من هؤلاء له وظيفة دنيوية يتكسب منها ويعيش عليها. الشيخ أحمد بن حنبل على سبيل المثال (كان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهما، ومن هذا درهما، فيعيش بهذه الدراهم، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس). لم يكن الشيخ احمد جاهلا بالقرآن ولم يكن يجهل معنى الرقية، ولن يكون هذا الجاهل المدعو راق أعلم منه بدلالة الآيات. جريمة إخراج الجن من أجساد الناس لا تتوقف عند مرتكبيها. هناك من يعزز صحة هذا الزيف في نفوس الناس. دعاة وقنوات فضائية. الدعاة يكرسون غياب العقل دون هوادة. يلبسون هؤلاء الرقاة أثوابا دينية (راق شرعي.!!!) والقنوات الفضائية الدينية تستخدم الصورة. في حوار مع مسؤول الجن في جهاز هيئة الأمر بالمعروف تلاحظ أن هناك نية مبيتة من قبل القناة لتكريس الخرافة. أي برنامج متكرر يكون له أثر ثابت. لوحة تعرض الاسم واسم المذيع وغيرها من المعلومات المتعلقة بالبرنامج. في الحوار مع مسؤول الجن في الهيئة استعارت القناة مشاهد مرعبة من أفلام امريكية. إذاً القضية ليست معلوماتية بقدر ما هي تسويق للخرافة وتعزيزها. تتحمل وزارة الصحة مسؤولية حماية صحة عقول الناس وخاصة النساء البسيطات. إذا كان من واجب وزارة الصحة مكافحة الأدوية المزيفة أو التداوي بالأعشاب, لم تصمت عن الرقاة. لماذا لا تقضي على هذه الوظيفة وتقدم مرتكبيها للعدالة؟.