"كلما زادت تجربتك في الدنيا وكلما عركتك الحياة كلما رق قلبك!" هذا ما قالته وهي تعبث بالشعيرات البيضاء التي هربت من بقايا الحناء وقبضة الصبغة. لم أكن وقتها أعي معنى لرقة القلب سوى ما أراه من تنهيدة ممثل في فيلم أو مسلسل وهو يقف أمام سور بيت المحبوبة، أو مغنّ يطرب الناس بحديثه عن القلوب المعذبة! كبرت قليلاً وبدأت ألتفت يميناً وشمالاً لأخرج من مجال تفكيري المحدود الضيق الأفق، وبدأت تتراكم التجارب تغير مفهومي لرقة القلب، فحين تفاجأ بمرض أصاب قريباً لك أو فاجعة أثرت على صديق جعلته يفقد عزيزاً في موت مفاجئ يتغير مفهومك للمرض ونظرتك للحياة، يرق قلبك لأنك تعيش الواقعة والظروف الإنسانية بكل تفاصيلها الدقيقة، تبكي منفجعاً، تكاد تصاب باليأس وأنت تبحث عن فسحة أمل من شفتي طبيب مشغول، تبحلق في عيون من حولك باحثاً عن وجه اختفى لم يعد له مكان إلا في الذاكرة التي تصر على أن تستحضر وجوهاً رحلت وذكريات لا يمكن تكرارها. يرق قلبك لأنك تتعلم أن الدنيا لا تمشي حسب سيناريو وضعته في ذهنك وأن ما كرهته قبل عام وظننت أنه الذي كاد يكسرك ويحني ظهرك كان سبباً في أن تكتسب شيئاً من الحكمة والقدرة على التعامل مع الأمور التي تستجد . يرق قلبك، فتصبح أكثر شعوراً بما يدور حولك مبتعداً عن الانغماس في منولوجك الداخلي وانشغالك بنفسك، تتفحص الوجوه التي تعز عليك ترقب أي تغير فيها تتخوف من نبرة صوت حزينة أو نظرة مشغولة أو غيبة لا مبرر لها. يرق قلبك لذلك قد تشيح بوجهك متألماً حين يمر مريض بجانبك أو تنظر لذلك الطفل الذي يئن مع التعب متعلقاً بثوب أمه في إحدى العيادات متمنياً له الشفاء وقد تتوقف أمام شيخ ينتقل بين موظف وآخر في إدارة ما محاولاً إنهاء معاملة يتلكأ فيها الموظفون ويقتلها الروتين، يرق قلبك لذلك قد تلتفت باهتمام للوجوه المغتربة وهي تبحث لها عن مكان في مدينة مزدحمة لا أحد يملك الوقت فيها ليطالع أو يتأمل. يرق قلبك، تدمع عيناك لطفل يبكي متألماً، أو آخر أجبرته الظروف كي يتشحذ المارة! أصبح اتصالك بالآخرين غير محدد بنظرتهم لك أو مدى التصاقهم بدائرتك الصغيرة.. أصبحت رقيق القلب... نعم لقد كبرت وكبر فيك الإنسان وتفوقت إنسانيتك على أنانيتك وانشغالك بنفسك!