في السنوات الاخيرة أعيد تعريف القضايا وأعيد تصنيف حجمها وأهميتها حتى أصبحت مسألة دخول الناس إلى المجمعات التجارية قضية بل وقضية هامة. إذا كنا قد قضينا إعلاميا على تعبير (لنا خصوصيتنا) فواقع هذا التعبير مازال نشطا يعمل في كل مكان. في هذه الزاوية وفي كثير من مقالات الزملاء الكتاب قرأنا مقارنات موسعة بين حال الشباب السعودي وتصرفاتهم داخل المملكة وبين حالهم وتصرفاتهم في البلاد الأخرى كالبحرين ودبي والقاهرة وبيروت وغيرها. تكشف معظم هذه المقارنات أن حال الشباب السعودي داخل المملكة حالة افتراضية مبنية على هوس يسيطر على فئة صغيرة من المجتمع ولكنها (هذه الفئة) تملك الوسائل العاطفية والتاريخية لتصدير هوسها هذا واعتماده ثقافة عامة. المقارنة بين تصرفات الشباب السعودي داخل السعودية وتصرفاتهم في البلاد الأخرى لا تشي ولا تكشف أي اختلاف أو اختلال . نشاهد الشاب السعودي في أسواق البحرين وأسواق دبي وشوارع بيروت والقاهرة وغيرها لا يختلف عن أي شاب آخر من أي دولة اخرى. حسب ما قرأنا بلغ عدد السياح السعوديين هذا الأسبوع في دبي أكثر من سبعمائة ألف سائح. دبي في الواقع سوق. مجموعة كبيرة من المولات والمجمعات التجارية. دبي تحديدا المكان الأمثل لمراقبة الشباب السعودي والتعرف عليه. ليس هذا فحسب بل التعرف على العائلة السعودية. من المعروف والبديهي في كل دول العالم أن يفرض السائح سلوكياته وتقاليده على الدول المضيفة. تكيف الدولة المعتمدة على السياحة أوضاعها مع متطلبات السائح المؤثر. تحترم رغباته المتصلة بعاداته وقيمه وسلوكياته الأساسية لكسب رضاه. الغريب في الأمر أن هذا لم يحصل في أي دولة من دول العالم التي تستقبل السائح السعودي بكثافة. ما يحدث هو العكس. نلاحظ أن السائح السعودي هو الذي يجري عملية التكيف ليستمتع بالأوضاع الطبيعية في تلك الدول. لم تخف دولة البحرين أو دبي صالات السينما ولم تقسم مطاعمها للعائلات والعزاب ولم تبن فنادق خاصة بالعائلات وأخرى خاصة بالرجال ولم تغلق دكاكينها وقت الصلاة ولم تقدم أي شيء يشي بأن الشعب السعودي له خصوصيته أو اختلافه عن بقية شعوب الأرض. في الواقع فأن الشعب السعودي عندما يذهب هناك يعود إلى حقيقته التي صودرت منه. كل المظاهر المتشددة في داخل المملكة لا علاقة لها بالطبيعة الإنسانية التي ينتمي لها بالفطرة. إغلاق المحلات وقت والصلاة وعزل العائلات ومنع المرأة من دخول مطعم بدون محرم وغيرها مبنية على هوس سيطر على فكر جماعات محددة وفرضتها على المجتمع. فالسبعمائة ألف سائح في دبي ارتضوا تقاليدا وعادات تخالف وتتصادم مع الواقع الذي جاءوا منه بل دفعوا ملايين الريالات للوصول إلى ذلك. إذا كان للمجتمع السعودي خصوصية فلماذا يتهافت السعوديون على بيروتودبي والبحرين ولندن وباريس وغيرها ويدفعون مليارات لمخالفة النظم والقواعد التي يعيشونها في بلادهم. والأدهى من هذا أنك تشاهد دعاة ومشايخ التشدد يتجولون بعائلاتهم "بكل حبور وسعادة" في اسواق دبي ويأكلون في المطاعم المختلطة دون أدنى احساس بالذنب. شكرا سمو امير الرياض. أرجو أن يكون هذا القرار مقدمة لتطبيع الحياة في مدينة الرياض وإعادتها للفطرة الإنسانية.