انتهى معرض الرياض الدولي للكتاب 2012 (6-16 مارس) محققاً أكثر من منجز حيوي لمدينة الرياض. المنجز الأول هو تجاوزه المحلية نحو الدولية برغم اقتصاره على الكتاب العربي، والمنجز الثاني النجاح التنظيمي والإداري والإعلامي والأمني، والمنجز الثالث خدمة الكتاب وتمديد حياته بمهرجان خاص وإقبال جماهيري. ولعل لغة الأرقام تثبت حقائق أساسية هي حضور مليون وثمانمائة وتسعة وثمانين زائراً فيما بلغت المبيعات تسعة وثلاثين مليوناً وثمانمائة وسبعين ريالاً، ونشرت عن نشاطات المعرض أكثر من ألف مادة إعلامية من الورقي والرقمي. تقدم هذه الأرقام بالإضافة إلى المنجزات المشار إليها إلى أن عصر القراءة قائم ومستمر، واحترام الكتاب باعتباره مصدر المعرفة الأساسي والأول، وأن مجتمع الرياض يكرس وجهها الثقافي والاجتماعي. ذكريات المطبعة والصحافة إذا تذكرنا أن عصر المطبعة انطلق حسب المقولة التاريخية مع المطبعة الأميرية الشهيرة باسم مطبعة بولاق 1821(للمعلومية طبع أول كتاب بالعربية في إيطاليا عام 1514) فإن عمر كتاب المطبعة تجاوز المائتين عاماً ، وهذا لا يلغي عصور الكتابة والنشر والتداول منذ عصر المسلات مروراً بعصر البرديات وعصر الوراقة حتى عصر الرقميات. ويمكن التفكير بالاحتفال بعمر الكتاب الورقي لمائة عام في الجزيرة العربية إذا عرفنا أن أول مطبعة في مكةالمكرمة أنشئت عام 1883، ومن بعدها يمكن أن تنشأ جائزة للكتاب الرقمي وهو الاختبار الذي يبعث التحدي لعالم النشر الرقمي نفسه الذي نشأ رديفاً لا بديلاً للنشر الورقي. ترافقت الصحافة مع الكتاب فدعم كل واحد منهما الآخر. نشأت دور نشر ابنة إما لمجلة أو لصحيفة. لم تخرج دور النشر عن هذا بل إن دور نشر ربما تنشأ ثم تطلق لها مجلة دورية أو صحيفة شهرية. إذا كانت مجلة الهلال أنشأت دار نشر لها ومثيلها كل من صحيفتي النهار والرياض أنشأتا دار نشر لهما أيضاً. فإننا نرى دار نشر مثل دار الساقي تطلق مجلات لها، وإن كان سوقت مجلة مواقف(التي توقفت عام 1994)، مثل أبواب (1994- 2003) ثم أطلقت مجلة كلمن ومجلة الآخر، ومثلها مؤسسة الانتشار العربي أطلقت مجلة الكشكول، ودار الغاوون اطلقت مجلة نقد وصحيفة الغاوون الشهرية. انطلق الكتاب العربي في عصر النهضة بالمعاجم والموسوعات، والترجمات، وإحياء التراث اللغوي والأدبي والديني. وتخصص الكتاب العربي بنشأة دور نشر اهتمت بالأدب كالشعر والرواية، والكتب العلمية، والتراثية، والدينية. يسجل تاريخ دور النشر أن أول دار نشر أسست مستقلة عن عالم الصحافة هي دار المكشوف 1933 لفؤاد حبيش(1904-1973)، ولعل أقدم دار نشر شاركت في معرض الرياض الدولي للكتاب هي دار صادر التي أسست (1935) أنطون سليم نسبة إلى جده إبراهيم صادر الذي أنشأ مكتبة قبلها بسنوات. غير أن المعرض شهد ولادات لدور نشر سعودية وخليجية، مثل طوى وجداول وأثر من السعودية بينما انطلقت دار مسعى ودار الفراشة وآفاق (غير آفاق المصرية) من الكويت، وانطلقت فراديس ومؤسسة الدوسري من البحرين، وانطلقت دار كليم من الإمارات العربية المتحدة. الترجمة عيون أخرى ولعله لا يغيب عن البال تكريس حضور مؤسسات ثقافية تعنى بالترجمة أخذت مكانها وبنت علاقة وثيقة مع القارئ العربي لا السعودي حصراً . مثل مشروع كلمة من الإمارات العربية المتحدة، والمركز القومي للترجمة من مصر، والمنظمة العربية للترجمة من لبنان، ومؤسسة بلومز بري قطر . تتبنى تلك المؤسسات كتباً متنوعة عن تاريخ الفنون الإسلامية، والآداب الآسيوية والأوروبية، والنظريات والمناهج النقدية، والكتب العلمية في الإنسانيات والتطبيقيات والتقنيات. وتبقى مسألة تفرض سؤالها عن أزمة التوزيع والتسويق لتلك الكتب حيث لا تحضر هذه المؤسسات إلا من خلال وكلاء وموزعين لا يقدمونها إلا بصور مبتورة لا تخدمها ولا توصل دورها الحيوي في مجال خدمة الكتاب. منحت مشروع كلمة مكتبات محلية حق توزيعها بالوكالة وهذا ما حرم القارئ مشاركتها هذ العام بينما شاركت لأكثر من عام رغم ضيق المساحة وتكدس الكتب بين الجناح والمستودع. بينما ظلت تحضر مطبوعات المركز القومي للترجمة عبر إحدى دور النشر المصرية لتوفر جديدها برغم أن مكتبة محلية في الرياض توفر كتبها الجديدة كل عام بشكل منتظم. وحين تستند مطبوعات المنطمة العربية للترجمة إلى توزيع مع مطبوعات مركز دراسات الوحدة العربية فإن مؤسسة بلومزبري قطر لا تتوفر سوى في مكتبات تجارية محدودة على مستوى الخليج العربي فيما تغيب مشاركتها في معرض الرياض الدولي للكتاب. السياسة والرواية أولاً إذا كانت تجربة الترجمة مقيدة بما تقره المؤسسات المتخصصة، أو ما يقترحه المترجمون والمترجمات فإن حركة الكتب التراثية الدينية والأدبية غير مقيدة أن تحتفظ بقرائها. غير أن مواضيع الساعة تفرض نوع الكتاب المنشور وإقبال القارئ عليه. إذا كان الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي العربي تأثر بمجمل الثورات فإن الكتب المستعجلة التي صدرت برغم أنها توهم بأهميتها إلا أنها أقل من أن تنفخ بعض الدراسات والمقالات إلى كتب مثل التي أنجزها مثل المفكرين سمير أمين وفواز طرابلسي غير أن دار الشروق المصرية فوتت عليها مبيعات محتملة ولم تحضر مذكرات الشاب وائل غنيم"الثورة 2" الذي يعد أحد مشرفي صفحة كلنا خالد سعيد التي فجرت ثورة 25 يناير. ومن جولات متعددة تؤكد حالة الإقبال على دور النشر بمختلف مجالاتها. خدمت الدور نفسها عبر إعلامها المرافق في المواقع الاجتماعية واستطاعت بعض الدور تهيئة روادها لأيام المعرض. ولعل هذا ما حكم الاهتمام المتزايد على نوع كتب، واللامبالاة حيال كتب كان التوقع أكبر من بقائها على الأرفف. ورغم أن تلك الكتب قليلة التي صودرت أو أخذ التعهد بعدم عرضها، وهي بين مجال السياسة وتاريخ الحركات الإسلامية إلا أن هذا لم يمنع القراء من اختيار كتبهم كما لن يمنع من زيارة معارض أخرى أو مواقع بيع الكتب المتاحة. أشار مسؤول جناح دار الساقي الأستاذ عصام بوحمدان أن كتاب سيكولوجية الجماهير للطبيب الفرنسي غوستاف لوبون(1841-1931) من ترجمة هاشم صالح تجاوزت مبيعاته الخمس مائة نسخة وهو ما لا يحدث لكتاب في مجال علم النفس الاجتماعي. وقد سبق طباعة الكتاب في ترجمته الأولى عام 1991 ضمن سلسلة الفكر الغربي الحديث عن دار الساقي إلا أن طبعة جديدة لعام 2011 فرضت نفسها رغم أن جورج طرابيشي ترجم لسيجموند فرويد "علم نفس الجماهير"(2006) عن دار الطليعة. ويلحق بهذا الكتاب "الجهل المقدس: دين بلا ثقافة" للفرنسي أوليفييه روا . الذي يتناول ظاهرة إقبال الكثيرين على التحوّل عن ديانتهم الأصلية واعتناق ديانة جديدة. ويلاحظ أن البروتستانتية، بمذاهبها المتعدّدة، باتت الأكثر انتشاراً في العالم، في ما تعاني الكاثوليكية من فقدان الحماسة للانخراط في سلكها الكهنوتي. ويشرح روا لماذا أصبح الكهنة الأفارقة أشد المحافظين ضمن الكنيسة الأنجليكانية. كما يفسّر تحوّل العديد من المسلمين إلى المسيحية، واجتذاب الحركات الإسلامية السلفية لشبان أوروبيين، والنموّ الذي تشهده البوذية في أوروبا، والبروتستانتية في كوريا الجنوبية. ويرى المؤلّف أن نظرية "صدام الحضارات" لا تسمح بفهم هذه الظواهر. لأن ظاهرة الانتعاش الديني ليست تعبيراً عن هويات ثقافية تقليدية وإنما هي نتيجة للعولمة ولأزمة الثقافات. "الجهل المقدّس" هو الاعتقاد بالديني المحض الذي ينبني خارج الثقافات. هذا الجهل يحرّك الأصوليّات الحديثة المتنافسة في سوق للأديان يفاقم اختلافاتها ويوحّد أنماط ممارستها. بينما حققت مبيعات الروايات أرقاماً كبيرة على حد قول بو حمدان، وهي روايات جديدة " لوعة الغاوية" لعبده خال، و"نصف مواطن محترم" لهاني نقشبندي، و"القندس" لمحمد حسن علوان، و"أريد رجلاً" لنور عبد الحميد. وحققت عند دار الفارابي حسب مسؤولها علي بحسون رواية" أحببتك أكثر مما ينبغي" لأثير عبدالله التي صدرت عام 2010 أكثر من ست طبعات على مستوى الخليج برغم أن الكاتبة أصدرت رواية أخرى"في ديسمبر تنتهي الأحلام"(2011) لم تحقق سوى ثلاث طبعات. وتلا ذلك سلسة أوراق فلسفية التي يشرف عليها أحمد عبد الحليم عطية، وصدر منها سبعة كتب تعنى بكل من جاك دريدا وجيل دولوز، وإيمانويل كانط، وفريدريك نيتشه، بول ريكور، وليوتار، وجان بول سارتر. أوضح مصطفى سالم مسؤول جناح دار العين أن الأدب يأخذ النسبة الكبرى من الإقبال خاصة الرواية وأفاد أن ترشيح الروايات للجوائز هو ما يشجع القارئ على السعي إليها فقد تزايدت مبيعات رواية "عناق على جسر بروكلين" لعز الدين شكري المرشحة في القائمة القصيرة لجائزة البوكر بالإضافة إلى رواية "رقصة شرقية" لخالد البري، و"وراء الفردوس" لمنصورة عز الدين بينما اهتم القراء بالحصول على الأعمال الكاملة للقاص محمد حافظ رجب غير أنه لفت القراء كتاب"مصر على كف عفريت" للكاتب الساخر الراحل هذا قبل أشهر جلال عامر. بينما صادفت كثيراً دور النشر تشتكي من قلة المبيعات .. ربما تبقى الحسابات مختلفة إذ تؤكد المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية أن هناك ثقافة نشأت بادئة في التشكل وستنتج مجالاتها وحقولها عبر أبطالها القادمين. الكتاب لا يموت هذا ما يؤكده المعرض كما تؤكده ملاحقة الكتب في المواقع الألكترونية من الشراء والتحميل والتداول. معرض الرياض الدولي للكتاب أخذ مكانته بين كل المعارض ولا بد بعذ هذه القفزة الهائلة من تفادي الأخطاء المتكررة وهي ما يعيها كل من كان عضواً وفاعلاً في اللجان التنظيمية والإدارية والإعلامية للمعرض. أيام قليلة لكنها تحمل الفرح للمدينة وقرائها. تمضي وتأتي كل عام بمفاجآت لا تنتهي .