نحن أمة وسط وثقافتنا الدينية والاجتماعية تحثنا على التوسط، فلماذا نميل إلى المبالغة والتطرف في كل أمورنا الاقتصادية؟ سؤال لا أدعي أنني سوف أحاول الإجابة عليه فهو يحتاج إلى علماء ومتخصصين لست واحداً منهم. ولكن سوف أحاول التأكيد على أن لدينا تطرفاً وابتعاداً عن الوسطية في أمورنا، فإما تفاؤل كبير أو تشاؤم مبالغ فيه. وإما اقتصاد يتطلب ربط الأحزمة أو اقتصاد يزدهر بأرقام فلكية. إما لا يوجد مشاريع تنموية أو أن يكون لدينا كل يوم ألف مشروع لدرجة لا نجد المواد الأولية لتنفيذ هذه المشاريع وبالتالي تزيد الأسعار إلى حدود تجعل دراسات الجدوى السابقة لتلك المشاريع غير ذات جدوى. إما أن نروج لاستثمارات في أمريكا يقدر حجمها كما ذكرت بعض المصادر الإعلامية بنحو 3ر2 تريليون ريال!!! (623 مليار دولار)، وإما لا توجد استثمارات. وهنا وبكل صدق أود القول إنني فعلاً وقفت كثيراً عند هذا الرقم (2,3 تريليون ريال)، وحاولت بكل ما لدي من فهم أن أرى تلك المشاريع التي قيمتها 2,3 تريليون على أرض الواقع إلى الدرجة التي يتطلب منا أن نزور خمس مدن أمريكية كبرى للترويج لها ومحاولة استقطاب أموال المستثمرين الأمريكيين، في حين نرى أكثر من مليون مستثمر في سوق الأسهم يتقاتلون يومياً على ما لا يزيد عن 2٪ فقط من أسهم نحو 76 شركة مساهمة فقط في السوق السعودي فيما توجد النسبة الأكبر من أسهم تلك الشركات المحدودة لدى القطاع العام!!! حيث هناك تخوف من طرح تلك الأسهم لهؤلاء العطشى للاستثمار في الشركات التي ثبت نجاحها وقدرتها على توظيف الموارد مثل سابك والاتصالات وشركة الكهرباء والبنوك. كما نرى أن هيئة الاستثمارات العامة وعندما فشلت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية بدأت الترويج على أنها تسعى إلى الوصول إلى المستثمر المحلي، فإما أو! وكأن المستثمرين المحليين سوف ينتظرون الهيئة حتى تخبرهم بالاستثمارات المتاحة لهم في المملكة. كل ما يحتاجونه هو فتح الأبواب وسوف نرى المستثمرين المحليين يتزاحمون عليها إذا ما كانت بيئة الاستثمار مناسبة وهنا مربط الفرس كما يقولون «بيئة استثمار مناسبة». لقد اضطر المستثمرون المحليون الصغار إلى المساهمة في مساهمات غير نظامية وهم يعلمون علم اليقين أنها مساهمات ليس لها سند قانوني ولكن ما العمل. فإما سوق الأسهم والذي أصبح سوق يتسم بالتقلب الشديد لأنه أصبح سوقاً يومياً للمضاربات أو المشاركة في مساهمات تعتمد على الثقة الشخصية في زمن عز فيه تفعيل القانون لتنظيم الحياة الاقتصادية للراغبين في تحسن حياتهم المعيشية من خلال استثمار مدخراتهم على بساطتها سواء في مساهمات أو غيرها الأمر الذي أدى إلى أن يؤخذ الصادق بجريرة مبيتي سوء النية. المؤشرات الاقتصادية لهذا العام هي وبكل أمانة مؤشرات ممتازة وتبشر بالخير ولدينا كامل الإمكانات والرغبة الصادقة في العمل على توظيف تلك المؤشرات لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. ولكن السؤال لماذا المبالغة؟ لماذا نضخم الأمور حتى نصدقها ومن ثم سوف نضطر لاحقا عندما تنكشف الحقائق إلى التبرير أو تناسي ما قلناه في الماضي! كل ما نتمناه هو العقلانية والتعقل في التفاؤل والتشاؤم. وهنا أخص سوق الأسهم وأقول يجب أن نكون أكثر هدوءاً في التعامل معه، لماذا يجب أن يسجل يومياً نموا كبيراً أو تراجعا كبيراً؟ هل هناك مبررات واضحة وتفسير مقنع لأن يسجل مؤشر السوق نمواً يفوق 60 منذ بداية العام وخلال أقل من ستة أشهر فقط؟ فما الذي تغير في الشركات المساهمة خلال ستة أشهر وحققته حتى تزيد قيمة البعض منها بنسبة الضعف والضعفين باستثناء بعض الشركات التي حققت في ثلاثة أشهر ما لم تحققه الشركات الأخرى مجتمعة في نفس قطاعها في سنة كاملة؟.. مرة أخرى أنا أؤكد على أن مؤشراتنا الاقتصادية ممتازة، ولكن السوق المالي مربوط بما تحققه الشركات المدرجة من نتائج وليس وحدة واحدة، فهناك شركات استغلت العام 2004م والعام 2005م أفضل استغلال بتحقيقها نتائج ممتازة غير مسبوقة من خلال نشاطها الرئيس وليس من خلال الاستثمار في سوق الأسهم المحلية بعيدا عن نشاطها الرئيس كما تفعل بعض الشركات وهو مؤشر خطير على مستقبل تلك الشركات نفسها. الخلاصة يجب عدم المبالغة والتركيز في ترديد أرقام صماء قد لا تعكس الواقع الاقتصادي المحلي كما يتصور البعض، فالتنمية لا تقاس بالأرقام وحدها، وللتأكيد على ذلك فهل يعقل أن سوقا ماليا قيمته السوقية تجاوزت 1,8 تريليون ريال وفي القرن الواحد والعشرين لا يوجد فيه شركة مساهمة واحدة تهتم بتوطين التقنيات الحديثة وعلى رأسها تقنية المعلومات؟ وهل يعقل أن سوقا بهذا الحجم ليس به شركة مساهمة واحدة تقدم الخدمات الطبية المتقدمة؟ وهل يعقل أن اقتصاداً يعتمد على قطاع النفط لا توجد فيه شركة بترول مساهمة واحدة في سوقه المالي؟.. وفي الختام آمل أن لا تكون أسئلتي مشابهة لأسئلة مادة الرياضيات لهذا العام! ٭ محلل مالي