يخلط الكثير من الدارسين وحتى طلبة العلم بين شخصيتين من كبار علماء الأمة الإسلامية، وهما الفقيه والمحدث الحنبلي أبو فرج ابن الجوزي الذي توفي في بغداد عام (597ه)، وبين العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية الذي توفي عام (751ه) وربما كان لتشابه التسمية دور في الخلط بين العالمين الجليلين، بل قد نسبت بعض كتب ابن الجوزي لابن القيم والعكس كذلك وفقاً لما ذكر الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، كما أن الاثنين من كبار علماء السلف في العلوم الشرعية ناهيك عن أن كليهما يتبع المدرسة الحنبلية، كل هذا زاد من فرص الخلط بينهما رغم أن المدة الزمنية بين العالمين الجليلين تقدر ب (182) عاماً. ولعل هذا الاشتباه بين الاثنين سوف يتلاشى إذا علمنا أن سبب الخلط إنما جاء من التسمية، فالأول ابن الجوزي والثاني ابن قيم الجوزية والسر الذي يكمن خلف ذلك أن ابن الجوزي -رحمه الله- كان يوزع تبرعات الناس على أعمال الوقف والصدقات الجارية ودعم ومساعدة الفقراء والمعوزين، وقد ورث منه هذه الأعمال ابنه محيي الدين يوسف وهو أصغر أبنائه، كما كان يفعل ذلك أيضاً سبطه أبو المظفر يوسف بن قزغلي الذي قتله هولاكو وأبناءه الثلاثة في حادثة سقوط بغداد الشهيرة، وكان محيي الدين الابن الأصغر لابن الجوزي كوالده يطلب العلم وينشئ الأوقاف والصدقات الجارية في بغداد وغيرها من المدن، حتى أقام مدرسة في دمشق سماها الدمشقيون "الجوزية" نسبة له، وهنا يكمن سر التسمية التي استمرت إلى يومنا هذا حيث جامع ابن الجوزية الذي يقع قبلي الباب الغربي من الجامع الأموي عند ما يسمى الآن باب المسكية شرق سوق البزورية الحالي في قلب دمشق، وفي القرن السابع تقلد إدارة الجوزية أبو بكر بن أيوب الزرعي فكان يسمى "قيم الجوزية" أي مدير الجامعة أو المدرسة الجوزية والقائم على إدارتها وهو والد العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الذين عرف بين الناس ب "ابن قيم الجوزية". وهنا جاءت التسمية وجاء معها الخلط بين الاسمين. لذا يخطئ البعض فيقول ابن قيم الجوزي فيخلط بين الاثنين؛ إذ إن أبا فرج ابن الجوزي كان من علماء القرن السادس، بينما كان ابن قيم الجوزية من علماء القرن الثامن، ولعل المشهور بين علماء التاريخ والمؤرخين أن المدارس والجامعات الإسلامية بدأ انتشارها بشكل موسع منذ القرون المتقدمة إلاّ أن القرن الرابع إلى التاسع شهد نقلة كبيرة في تشييد المدارس والجامعات الكبار كالنظامية التي بناها الوزير السلجوقي نظام الملك، والمستنصرية التي بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله، والنورية التي بناها نور الدين زنكي وغيرها كثير، كما كان ذلك متزامناً مع بناء المشافي و"البيماريستانات" التي عرفتها المدن الكبرى في الشرق الإسلامي، كما عرفتها مدن المغرب والأندلس آنذاك أبان العصور الإسلامية الزاهرة.