ألقيت محاضرة عن بيئة العمل الإيجابية مع التركيز على العوامل الإنسانية المؤثرة في تكوين هذه البيئة. بدأت المحاضرة بسؤال الحاضرين عن أهم العناصر الإيجابية المطلوبة في بيئة العمل من وجهة نظرهم، فكانت الاجابة تتحدث عن التقدير، والعدالة، والمشاركة، والثقة، وفرص التقدم، والصلاحيات. سرني أن أحداً لم يتحدث عن الجوانب المادية لبيئة العمل ليس لأنها غير مهمة، ولكن لأنها بدون العوامل الإنسانية لا قيمة لها، فالمبنى الجميل المجهز بأفضل التجهيزات ليس بديلاً عن التقدير، والثقة والعدالة، فإذا غابت هذه القيم وغيرها من القيم الأخلاقية والمهنية فإن المبنى الجميل يصبح بلا روح، بل مجرد صورة. أما إذا كانت ظروف العمل المادية صعبة (الأجور، المكان، الطقس الخ). ومثالها من يعمل في الميدان تحت أشعة الشمس الحارقة، أو في المناجم أو أعماق البحار. في مثل هذه الظروف فإن التعامل الإنساني الذي يحترم العقول والقلوب هو أفضل تعويض. يحضرني في هذه اللحظة موقف (واقعي أو خيالي)، لكن المهم هو المغزى من هذا الموقف، حيث التحق صاحب هذا الموقف بالعمل لأول مرة وبعد شهر أو شهرين قابل المدير وقال له: أنت مخير بين أمرين؟ سأله المدير: ما هما: فقال الموظف: يا أنا يا السبت. واختار المدير يوم السبت، وكان عليه أن يفتح حواراً مع الموظف ليعرف منه سبب موقفه السلبي من يوم السبت. في المدارس، لا نستطيع تجاهل العلاقة غير الايجابية إن صح التعبير بين الطالب والمدرسة. الطالب لن يغيب عن المدرسة بسبب نافذة مكسورة في الفصل أو لأن ألوان الجدران لا تعجبه. ولكنه يغيب لأن أساليب التعليم وطرق التدريب المتبعة لا تجعل المدرسة بيئة جاذبة. الطالب يفرح بالاجازة لأن المدرسة تحوله إلى متلق غير مشارك ولا تعوده على أن يمتلك الثقة بنفسه، وأن يقدم المبادرات والحلول، وأن يفكر بطريقة إيجابية. وهذا الطالب هو الذي سينتقل فيما بعد إلى بيئة العمل، وسوف ينقل معه عادات لا تساهم في جعل هذه البيئة بيئة إيجابية، فإن وصل إلى موقع المدير فسوف يمارس دور إعطاء التعليمات والأوامر، والمتابعة المحاطة بالشك كما كان يفعل معه المعلم أو المشرف أو مدير المدرسة!! نعود إلى موظف (يوم السبت) ونقول إن المشكلة لا تكمن في يوم السبت فقط أن المطلوب أن تكون بيئة العمل جاذبة وإيجابية في كل الأيام، الحلول توجد في التحفيز، والتفويض، والمشاركة، والتقدير، والشفافية، والنظرة الإيجابية للإنسان التي تجعلنا نقدم التوقعات الايجابية، ونركز على نقاط القوة في كل إنسان مهما كان مستواه الوظيفي وطبيعة عمله. المسميات والمستويات الوظيفية يفترض أن لا تشكل عائقاً يحد من التعامل الإنساني، فالموظف، والعامل إنسان قبل كل شيء وتلك التقسيمات الوظيفية وضعت لتحديد المهام والمسؤوليات والعلاقات الإنسانية يجب أن لا تتأثر بالمؤهلات العلمية والخبرات والمناصب وكل عضو في الفريق له أهميته، وعندما يسيطر مبدأ العمل بروح الفريق فإن هذا مؤشر قوي على وجود بيئة عمل إيجابية تجذب الموظفين للعمل بحماس في يوم السبت وفي كل الأيام.