الاعتقاد بأن الدول العربية تتفق تماما في سياستها حول الوضع في سوريا ، يبقى اعتقادا يحمل وجهة نظر لها من يعارضها مثلما لها من يتفق معها ، وهو اختلاف في أصله لا ينصب حول القضية السورية ، بل هو اختلاف حول مفهوم الريادة السياسية بالعالم العربي في المستقبل ، وربما نشهد في الايام القريبة جدا شكلا من اشكال التنافس بين بعض الدول الخليجية ودول الربيع العربي ، وهو صراع سوف يعيدنا لتاريخ العلاقات العربية العربية ، تلك العلاقات التي لم تضف للعمل المشترك إلا ما هو غير مشترك ، ومثلما كانت القضية الفلسطينية هي الورقة الرابحة التي كانت تستخدمها الزعامات العربية البائدة لتحويل انتباه شعوبها عن مشاكلها الداخلية ، سوف تدخل مفاهيم جديدة في لعبة تحويل الانتباه ، مثل الكرامة الوطنية والدفاع عنها وهو دفاع سوف يكون ميدانه سوق العمل الخليجي ، والدعم الخليجي لبعض القوى السياسية في المنطقة الذي سوف تعتبره بعض القوى السياسية تدخلا يشوه التجربة الديمقراطية الوليدة. وحتى لا نبتعد كثيرا عن القضية السورية التي تعد اليوم من القضايا الحاسمة والتي كان الحضور العربي فيها واضحا ومتفردا وسابقا الحضور الدولي في توقيته وتأثيره ، وهذا الحضور العربي لم يكن في مضمونه إلا حضور خليجي حاولت دول اجنبية وعربية أن تلتف عليه وتخفف من تأثيره ، ولكنها استطاعت أن تتجاوز عقبات المصالح والتهديدات لتكون في خندق واحد مع الشعب السوري، والشيء الذي جعل من التدخل الخليجي في الأزمة السورية هو طريقة تعاطي دول الخليج مع هذه القضية حيث سعت إلى كل سبيل يؤدي لإنقاذ الشعب السوري ، وبدون أن تعطي اعتبارا واحدا لحسابات المصالح السياسية ، وهذا ما عجزت أن تقدمه بعض الأطراف العربية ومعها الأجنبية حيث حضرت مصالحها السياسية لتعيق تحركها الإيجابي في المشهد السوري ، حتى إن بعض الدول العربية ذهبت لما هو أسوأ عندما أعربت عن نيتها في التوجه لإقامة علاقات جيده مع إيران مع علمها بأن طهران تقدم كل أشكال المساعدة لنظام الأسد ضد شعبه من الخدمات الاستخبارية والعسكرية والمشاركة في عمليات قتل الشعب السوري ، وما أوقف هذا التهافت على طهران في هذه المرحلة إلا الدول الخليجية وخوف تلك الدول أن تفقد بعض مصالحها مع دول الخليج وكان هذا كله يضاف لرصيد نضال الشعب السوري ، ولو رجعنا قليلا لما حدث في اجتماع أصدقاء سوريا في تونس لتعرفنا أكثر على الدور العربي والدولي المخيب للآمال ، ولم ينقذ الموقف في ذاك الاجتماع إلا الموقف السعودي الذي أيدته مباشرة دول الخليج ، وإلا لتحول هذا الاجتماع إلى مؤامرة دنيئة على دم الشعب السوري. الدول الخليجية في هذه المرحلة مطالبة أكثر من أي فترة ماضية للسعي نحو إقامة مشروعها السياسي الاتحادي للوقوف كمجموعة بوجه التحديات المتسارعة ، وعليها أن تبتعد عن فكرة التباطؤ في التنفيذ وإن الوقت مازال معها ، أو أن أمامها الكثير حتى تصل إلى هدفها الرائد ، لأن الذي أمامها ليس كثيرا لتجاوز تبعات الربيع العربي ، تلك التبعات التي سوف تركز بها بعض الدول العربية على إبعاد الدول الخليجية عن بعضها وإشراكها بشكل منفرد في مشروعات سياسية لا تطول منها دول الخليج صالحا ولا تحفظ لها موقفها التاريخي الشجاع في نصرة الشعوب العربية.