كلّ من عنّت في رأسه فكرة ، أو عجز عن تنفيذ واجباته ، وتمريرها للوسط الاجتماعي .. طالب وزارة التربية والتعليم بإدراجها في المنهج ؛ رجال المرور يريدون إدخال التوعية المرورية إلى مناهج التعليم ، ورجال الدفاع المدني ، ومحاربة المخدرات يريدون الشيء ذاته ، وأنصار البيئة يحلمون بوجود حملاتهم فيه ، والمعنيون عن مكافحة الغش التجاري كذلك ، ولا أحد يعرف كم ستتحمل مناهج التعليم المثقلة أصلا بالكثير من الزوائد لتتحمل المزيد . يبدو لي أننا لا زلنا أمام فهم معتكر لرسالة التعليم ، بحيث نبدو وكأننا نريد منه أن يكون مجرد كتالوج للتعامل مع الحياة بمختلف ظروفها وحسب ، وهذه الرؤية لو تحققت وهذا مستحيل لسبب بسيط لأن الحياة ليست آلة ، ولا التعليم دليل تشغيل فإننا سنجد أنفسنا أمام جيل آلي يُشبه الروبوت ، جيل غير قادر على التفكير ، وابتداع الحلول لأزماته ، لكن وقبل أن يستفز هذا الرأي المتحمسين ل ( كتلجة ) المناهج الدراسية .. أفضّل أن أقول : إنني لا أريد أن أنأى بالتوعية بكل أشكالها ووظائفها عن فصول المدارس .. شريطة أن تكون في سياق حصص النشاط فقط .. حتى لا تأتي على حساب الوظيفة الأهمّ للتعليم ، وهي أن تنصبّ كل جهوده لتعليم التلاميذ كيف يفكرون ، وكيف يبدعون ، أن يهتم بتنمية مهاراتهم ومواهبهم . أن يُمارس دوره كسلسلة مفاتيح لفك مغاليق الأشياء . الآن جيل الأطفال يعرفون في التقنيات الحديثة أكثر مما يعرف معلموهم ، ويجيدون التعامل معها بشكل يُربك بعض أساتذتهم الذين تعلموا على كتالوج " أغزل بيت قالته العرب هو كذا ، وأمدح وأذم ... إلخ " ، وهذا يعني اتساع الهوة ما بين الطرفين وسقوط نظرية التعلم بالتلقين ، إذن لا بد من أن يتحول المنهج إلى مفتاح ، وتحديدا بواسطة العلوم والرياضيات لإطلاق تلك الأذهان الصغيرة في فضاء التفكير العملي الذي يفضي إلى الابتكار . ولو أخذنا برأي المطالبين بإدراج برامج التوعية في المناهج ، كالتوعية المرورية بشكلها القائم والتقليدي كمثال فقط .. فكيف يتصور هؤلاء أن يكون أثرها لو تم إقرارها في المنهج بشكل ملزم في أطفال اليوم .. الذين يمارسون في ألعاب الكمبيوتر والانترنت سباقات السيارات ، وكيف يتخلصون من رجل المرور أو يعطبون سيارة الدورية ؟ . لهذا أعتقد أن على المعنيين بالتوعية في مختلف وظائفها أن يعيدوا حساباتهم في برامجهم ، وأن يفتشوا عن أساليب جديدة ومبتكرة لتمريرها إلى المجتمع بعيدا عن المناهج التي قلت قبل قليل أنها مثقلة بما يكفي ويفيض ، وأن يعترفوا أن لجوءهم إلى هذا الحل إنما هو دليل إفلاس ، لن يكون من شأنه سوى أن يضيف عبئا إلى قائمة الأعباء التي تثقل كاهل التعليم .. ليزيد من فرصة إفلاس الطرفين ، فلا توعية ستمرّ ، ولا تعليم يجد ما يكفي من الوقت لبناء عقول تفكر لا تتذكر .