اختلف أساتذة الإعلام وعلماء النفس في تأطير وتأثير الوسيلة الإعلامية على المتلقي، وبرزت النظريات القائلة بقوة التأثير المباشر على المتلقين مع انتشار التلفاز حتى خرج عامة الناس في الولاياتالمتحدة ونزلوا إلى الشوارع بعد مشاهدتهم فيلماً يتحدث عن حرب الكواكب، وكان ذلك في بداية انتشار التلفاز في الولاياتالمتحدة، حينها ذهب منظرو الإعلام إلى تشبيه هذا التأثير بالرصاصة أو الحقنة، لاسيما وأن هذه المشاهدات التي عاشها الشعب الأمريكي مع انتشار التلفاز تمثل حجة دامغة لمنظري الرصاصة أو الحقنة الإعلامية بعد نظريات سابقة لم تكن لتقلل من دور وسائل الإعلام في تغيير الاتجاهات وتحديد -أو على الأقل- تعزيز الرأي، لا سيما بعد أن استطاع "قوبلز" وزير الدعاية النازية لدى "هتلر" أن يهز ثقة جنرلات باريس ولندن؛ ليسهل لزعيمه النازي دخول باريس عبر طريق ممهد بالورود ليرقص هذا الأخير رقصته الشهيرة أمام (برج إيفل) تعبيراً عن نشوة الانتصار، سيما بعدما غلبت تصريحات وزير دعايته "قوبلز" ذلك المسؤول الفرنسي حين كان يردد أمام شعبه وعبر وسائل الإعلام "لن يمروا لن يمروا"؛ حينها كادت الحرب العالمية الثانية أن تصبح حرباً إعلامية، من يكسبها.. يكسب الأرض والسلام على حد زعمهم. ولأن مسألة تأثير وسائل الإعلام مسألة نسبية فقد أوضحت استبيانات البحث والدراسات التحليلية بطلان نظرية الحقنة إلى حد ما، وبروز نظريات أكثر شمولية تراعي في مسألة التأثير والتأثر عوامل أخرى متعددة، كالسمات الشخصية، والفروق الفردية، ومتغيرات البيئة المحيطة، وجماعات التأثير، وتحديداً قادة الرأي. وإن كان ثمة قياس للاتجاهات والآراء، وبعيداً عن فلسفة التعرض والتذكير الانتقائي فإن معظم أساتذة الإعلام يكاد أن يجمعوا على أن نسبة التأثير تختلف باختلاف الوسيلة الإعلامية، وظروف عرض الرسالة الزمانية والمكانية، فمثلاً تجد أن معظم برامج المرأة والأسرة تعرض على التلفاز في الصباحية حين يكون الأبناء في مدارسهم ورب الأسرة غارقاً في عمله؛ مما يسهل وصول الرسالة الإعلامية، وربما تحقيق أهدافها بتوفير فرص الإصغاء ومتابعة البرامج بالكامل من معظم النساء. الحديث عن تأثير وسائل الإعلام على العامة يختلف باختلاف العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية على وجه التحديد، لعلنا نشاهد هذه الأيام الصراع المحموم بين القنوات الفضائية العربية رغبة بالظفر بالعدد الأكبر من المشاهدين، وللأسف أن بعض هذه القنوات مصرة على أن تخدش قيم المشاهد، وتسخر من بعض عاداته الأصيلة، وربما وصل بها الحال إلى إلى تزييف وتحريف الوقائع التاريخية وتشويه رجالات العصور المنصرمة.