عقد مكتب منظمة اليونسكو الإقليمي للتربية في بيروت ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالتعاون مع مؤسّسة الفكر العربي، اجتماعاً دولياً لخبراء ومتخصّصين من أكثر من احدى عشرة دولة عربية وأجنبية، ناقشوا على مدى يومين في فندق "هوليداي إن" في بيروت موضوع "تعزيز ثقافة الحوار في الدول العربية"، بحضور متخصّصين في موضوعات حل النزاعات والتربية والتعليم والاعلام والصحافة والتنمية والشباب. استهل الاجتماع خبير برامج التربية والتعليم في مكتب اليونسكو الإقليمي الدكتور حجازي إدريس الذي تحدث عن الجهود التي تبذلها اليونسكو لتشجيع ثقافة الحوار بين الشعوب وتكريس القيم الثقافية المشتركة. وألقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو في الدول العربية الدكتور حمد الهمّامي كلمة ركّز فيها على ازدياد عدد المناسبات والهيئات الداعمة للحوار بين الحضارات، في الوقت الذي لم تأت معظمها بالنتائج المرجوة والدليل ما نراه في منطقتنا من توترات. وأكد اهتمام اليونسكو الكبير بقضية الحوار ما بين الثقافات لما يشكّله التنوع الثقافي من ذخر هائل للبشرية، مشدّداً على الحاجة إلى فهم معمّق واستراتيجيات جديدة للتعامل مع التنوع الثقافي وتعزيز ثقافة الحوار في المنطقة العربية، من خلال التركيز على الحوار حول الاختلافات، والتنوع بدلاً من الجمع بين الثقافات والتحاشي في دخول الاختلافات، وبناء حوار على أسس مبادئ حقوق الإنسان التي توافق المجتمع الدولي عليها قبل 60 عاماً، وتعزيز التسامح الفعلي الذي يشمل الاحترام المتبادل، وحرية الرأي وحرية العقيدة كركيزة لأي فهم إنساني للدين. وقدّم نائب الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الدكتور فهد السلطان مداخلة اعتبر فيها أن برنامج عبد الله بن عبد العزيز العالمي لثقافة الحوار والسلام بالتعاون ما بين المملكة ومنظمة اليونسكو، جاء ليحقّق الأهداف التي نلتقي من أجلها اليوم في صنع السلام والتقارب بين الثقافات من خلال طرح القضايا والتحديات التي تواجهها المجتمعات، وبالتالي نشر هذه المفاهيم عبر الحوار المتوازن والمتكافئ واحترام التنوع الثقافي. كما جاء هذا البرنامج في فترة تاريخية حاسمة حيث نشهد تزايداً في حدّة الصراعات الطائفية والمذهبية والتعصبات على اختلافها في وطننا العربي، لافتاً إلى مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز التي أطلقها في العام 2005 للحوار ما بين الأديان ونبذ كل أنواع الصراع والعنف وترسيخ التعايش السلمي ما بين الشعوب والاعتراف بالتنوع. وركز على إيمان المملكة العربية السعودية بأهمية الحوار الذي يرسّخ القيم المشتركة بين الأمم والحضارات المختلفة، وإيمانها أيضاً بالحوار على المستوى الداخلي، إذ جاء تأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في العام 2003 ليعزّز من نشر ثقافة التسامح والحوار ما بين التيارات والأطياف وأبناء المجتمع السعودي من خلال برامج مجتمعية وآليات مختلفة ودورات تدريب شملت مئات آلاف الشباب السعودي. وألقى الأمين العام لمؤسّسة الفكر العربي الدكتور سليمان عبد المنعم كلمة شدّد فيها على حاجة المجتمعات العربية إلى تعزيز قيم الحوار وثقافته سواء في المجتمعات التي شهدت ثورات وتغيرات سياسية عميقة أم في تلك التي انتهجت سبل الإصلاح المؤسّساتي والمجتمعي الاخرى، مركزاً على الحاجة نفسها إلى حوار فيما بيننا وبين المجتمعات الأخرى لكي نبدّد وهم ما أُطلق عليه صراع الثقافات أو صدام الحضارات. وسأل عبد المنعم أين نحن اليوم عرباً وغير عرب من قيم الحوار وثقافته؟ وكيف نستطيع أن ننقل هذه القيم من طور التنظير والأمنيات إلى مستوى الواقع اليومي؟ وهل يمكن أن ننجح في المزاوجة ما بين المصالحة والمصارحة لكي يكون الحوار جدياً وحقيقياً؟ ثم كيف نتخلص في حوارنا المنشود سواء بين أنفسنا أم بيننا وبين العالم الغربي من نزعات التعميم والانطباعات المسبقة والصور الذهنية النمطية السلبية التي ترسّخت في وعي كلّ منّا عن الآخر؟ وكيف ندير خلافاتنا باعتبار أن إشكالية إدارة الخلافات هي المحك الحقيقي لقياس نجاح أي حوار؟ ودعا إلى وعي معوقات ثقافة الحوار في مجتمعاتنا، معتبراً أن الخلاف في تاريخنا العربي يختزن خصوصية معيّنة، إذ تبدو دورة التحوّل سريعة من مرحلة الاختلاف إلى مرحلة الخلاف ثم إلى مرحلة الصراع وانتهاء بمرحلة الإقصاء، والمصطلحات الأربعة هي تعبير عن مستويات أربعة في عملية إدارة التنوع الانساني. وأشاد عبد المنعم بالدور الذي يقدّمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي يمثّل نموذجاً لافتاً للنظر بنشاطاته المتنوعة، مشيراً إلى أن لمؤسّسة الفكر العربي تجربة مهمّة في هذا المجال، إذ كان رئيس المؤسّسة صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل سبّاقاً في إطلاق مبادرة شركاء النهضة بهدف التنسيق بين مبادرات العمل العربي الثقافي المشترك. كما كان للمؤسّسة تجربة إصدار أول تقرير عن حالة حوار الثقافات في العالم يرصد ويحلّل قضايا حوار الثقافات في حوالي عشرين صحيفة ومجلة بالانجليزية والفرنسية والألمانية والعربية، ويُبيّن كيف نرى نحن الغرب من منظور ثقافي وكيف يرانا الغرب من المنظور نفسه. كما لفت إلى قيم الحوار والانفتاح كأحد الأهداف الرئيسية التي انطلقت منها المؤسّسة منذ نشأتها في بيروت، لتكون ملتقى ومنبراً مستقلاً لكلّ الرؤى والاجتهادات بعيداً عن أي انحياز لتيار أو حزب أو توجه. وقدّم الوزير اللبناني السابق الدكتور سليم الصايغ ورقة عمل اعتبر فيها أن الحوار في جوهره هو إدخال الوعي في أي قرار أو سياسة عامة لهذه الاعتبارات الثقافية بعيداً عن اعتماد نموذج ثقافي واحد، إذ لكل حالة حوارية ميزتها وأصولها وإطارها، لافتاً إلى أن الحوار ما بين الثقافات هو إطار منهجي يُعتمد عموماً ثم يُترك للمبادرات المجتمعية والوطنية، مشدّداً على ضرورة بناء القدرات حول وسائل التعبير عن الحرية وأهمية الصحافة والإعلام، في حين تشكّل الجامعات المساحة المشتركة البديهية للتفاعل ما بين مكوّنات المجتمع من دون معوقات الموروث الثقافي. واختتم الاجتماع مدير إدارة التدريب وورش العمل في مركز الملك عبد العزيز، عبدالله بن عمر الصقهان بعرض تضمّن مشروعات المركز وإنجازاته ومبادراته المختلفة.