كلّ حديث عن الثورة السورية في صمودها وتحديها وتضحياتها وبذلها.. يتواضع أمام أسطورية هذه الثورة. وكلّ وسائل مواجهتها لتخجل كلمة "عنف" عن وصفها، ولم تزدها تلك الاساليب المتجاوزة في بشاعتها سوى إصرار وصمود وصبر ومعاودة. مشاهد مروعة لتدمير متواصل لمدينة حمص المحاصرة. حالة تراخ دولي أمام تدمير ينشر الرعب والخراب والدمار والقتل في احياء المدينة الصامدة. نفاق دولي كبير. وتقاسم أدوار خطير. ونظام بشع يمارس عملية إبادة بدم بارد. وعجز عربي فاضح. ومع كل هذا صمود اسطوري ملحمي قل نظيره. إفراغ ثورة الشعب السوري من محتواها الحقوقي، وتصوير الحالة السورية باعتبارها حالة صراع يستهدف سورية الوطن للتفتيت، وسورية الدور للإخضاع .. عناصر أساسية اعتمدها النظام وأحلافه... وهذه الاكاذيب يتلقفها على حد سواء السذج والبارعون في رسم سيناريوهات وقصص إخبارية مفبركة لمزيد من خلط الأوراق يعتمد النظام السوري وإعلامه وأحلافه على تصوير الثورة باعتبارها مؤامرة تستهدف دولة الممانعة والمقاومة والموقع الجيوسياسي... ويتخذ هذا المنحى لمواجهة ثورة شعب عبر إغراقها بالدم والهدم والتشريد. ويدعمه في هذا المجهود لإفراغ الثورة من محتواها الحقوقي والانساني حلف دولي وإقليمي.. بعضه ظاهر وآخر خفي. وتسانده شبيحة الأقلام المسمومة والإعلام الرخيص الكاذب وبعض التيارات التي تمسحت طويلا برداء القومية واليسار العربي المنحسر.. والمتهاوي. إلا أن الأخطر في الشهور الاخيرة، هو تحريك الثورة السورية من حيز وحقل انبعاث الثورات الشعبية العربية التي اندلعت منذ مطلع العام الماضي.. ومن حالة صراع بين نظام قمعي لا يتمتع بأية شرعية، وبين شعب يريد استعادة قدرته على بناء نظام مستجيب لأحلامه بالتحرر من ربقة نظام قمعي فاسد.. الى حالة صراع دولي وإقليمي يضع بعض الدول العربية في نطاق المؤامرة على النظام السوري بالتعاون مع الولاياتالمتحدةالامريكية وبعض الدول الغربية وحتى اسرائيل في بعض الأحيان.. هكذا يريد النظام وأشياعه والمتحالفون معه أن تبدو الصورة بعيدا عن الاطار والحيز الذي عاشته وتعايشه المنطقة العربية على إثر هبات شعبية انتشرت كالنار في الهشيم تقتلع نظم الجور والطغيان. إفراغ ثورة الشعب السوري من محتواها الحقوقي، وتصوير الحالة السورية باعتبارها حالة صراع اقليمي ودولي يستهدف سورية الوطن للتفتيت، وسورية الدور للإخضاع .. عناصر أساسية اعتمدها النظام وأحلافه لنقل موضوع الصراع من حالة شعب يطلب حريته ويدفع ثمنا باهظا في سبيل انعتاقه من سجن النظام الطويل إلى صراع دولي يستهدف دور سورية وموقعها ومواقفها الممانعة والمقاومة للكيان الاسرائيلي!!. وهذه الاكاذيب يتلقفها على حد سواء السذج والبارعون في رسم سيناريوهات وقصص إخبارية مفبركة لمزيد من خلط الأوراق. وفي كل ملامح هذا السيناريو فتش عن إسرائيل. الصمت والترقب الاسرائيلي يحملان خلفهما قلقا كبيرا وتوجسا أكبر حول احتمالات مواجهة مرحلة قادمة قد تكون الأقسى على الكيان الاسرائيلي. إن ما يرعب اسرائيل اليوم ليس حزب الله ومقاومته.. فهو يبقى تحت السيطرة في كل الاحوال، ودوره لن يتجاوز بعد اليوم حالة الضغط على الحالة اللبنانية باسم المقاومة تحت بند التحريك إذا لزم الأمر. ولا يثير قلق اسرائيل نظام الاسد الذي مكّن لها وعظم أطماعها وسهل سيطرتها.. ما يرعبه هو هذا المدد العجيب من التحدي الذي يضخه أحرار الشام في شرايين ثورتهم .. وهم يواجهون أبشع آلة تدميرية نفسية وجسدية ومادية. الرعب الحقيقي الذي يأخذ بعقل دهاة اسرائيل وسياسييها ومفكريها هو مواجهة هذا المارد العربي الذي انبثق في ربيع العرب وكرس في بلاد الشام أعظم ملامح التحرر .. كيف لها ان تواجه هذا المأزق بعد أربعين عاما من التمكين.. كيف لها ان تواجه هذا الطوفان العاري الذي لا ينفع معه لا آلتها العسكرية ولا وسائل دفاعاتها ولا مواجهتها اذا ما تحولت بلاد الشام إلى مركز حقيقي ينطلق منه الأحرار لمنازلة جديدة وطويلة ومكلفة في سبيل تحرير فلسطين بعد أن يحرروا أنفسهم من طغاة العصر وجلاوزته. لم يكن نظام الاسد يشكل خطرا على اسرائيل، وكانت اسرائيل تتعامل معه وفق رؤية لم تفارق سلوكها السياسي منذ أربعين عاما. نظام الاسد ظل يسخر كل جهده وطاقته ومناوراته لتأمين النظام وليس لتحرير الارض السورية المحتلة. ظل يستخدم المنظمات الفلسطينية لتحقيق نقاط ومراكز تأثير لحمايته، وتحقيق مكاسب وتعظيم حضور في المجال الاقليمي.. وكل هذا بهدف حشد المزيد من الأوراق بيد نظام بارع في ربط التحالفات واستثمارها والانقلاب عليها أيضا. وهذا ربما يفسر التحالف الاقليمي المدعوم دولياً لبقاء النظام عبر مبادرات تحت بند الاصلاح تفتقر لأدنى درجة من الثقة، ناهيك عن أنها ليست سوى مناورات لكسب مزيد من الوقت لإرهاق الثورة التي ستدخل بعد أيام عامها الثاني. واهمٌ من يعتقد أن توجهات الدول الكبرى حيال الثورة السورية يمكن قراءتها فقط من خلال تصريحات هنا وهناك. تبدو التصريحات مضللة أحيانا، وأحيانا تستهدف عكس ما توحي به، وتعمل وفق تصور تعبر عنه حالة صراع لايمكن قراءتها بسهولة إلا من خلال قراءة الوقائع على الأرض، وسلوك لا يحتمل التأويل، ومؤشرات يمكن الاعتماد عليها في الربط والتحليل. الثورات العربية، فعل عربي شعبي أصيل، انبثق من قمقم اليأس والتعطيل الطويل لأنظمة الاستبداد والقمع والتوريث. إلا ان الصراع حولها قائم لايمكن إنكاره أو التهوين من تأثيره، والضالعون في مشهد الافشال أو الاحتواء تختلف مصالحهم وارتباطاتهم، ويجمع بين كل اولئك أنهم يعملون لمصالحهم في خضم مراحل انتقالية لا يجب أن تفلت من ايديهم أو تفاجئهم بما لم يكونوا مستعدين له. في الحالة السورية تتبدى حالة معقدة من حالات الصراع الدولي. كما تتبدى الثورة كأعظم فعل شعبي عربي متحد لنظام القمع الدموي. التغيير في سورية لن يكون عملية سهلة أو يمكن إنجازها بأقل قدر من الخسائر.. إنها المعركة الكبرى سواء لشعب بات يدرك انه أمام مواجهة ستطول ولكن نتائجها ستكون حاسمة لعقود طويلة.. وهي أيضا مجال صراع دولي يعاني من اضطراب كما يعاني من عقدة اسرائيل التي تقبع في الجوار، وهي المعنية أكثر من سواها بنتائج التغيير في سورية. ولأولئك الذين يروجون لسيناريوهات المؤامرة الامريكية على النظام السوري أن يجيبوا عن بضعة اسئلة لعلها تثير لديهم بعض الوقفات تجاه التحليلات الساذجة. فمنذ بدء الثورة السورية قبل قرابة عام ظلت الولاياتالمتحدة تطلق التصريحات. هل هناك خطوة حقيقية واحدة تؤكد ان ثمة توجها حقيقيا لدعم الثورة السورية؟ ما هو الحراك الحقيقي الذي قادته الولاياتالمتحدة حتى اليوم يوحي أن ثمة توجها جادا لدعم ثورة الشعب السوري؟ وبخلاف الدور الاوروبي (الفرنسي تحديدا) الذي يدرك صعوبة العمل وحده في مجال يبدو محظورا عليه أن يتحرك فيه دون مساندة الولاياتالمتحدة وحلف الناتو.. تبدو كل المبادرات او المحاولات لا تتجاوز حيز إمداد النظام بوقت اكبر لإنجاز مهمته في إخماد الثورة. هل يمكن ان تكون التصريحات التركية النارية منذ بدء الثورة السورية مجرد كلام سياسي للاستهلاك الإعلامي أم أن الصمت المطبق الذي التزمت به القيادة التركية خلال الشهور الأخيرة يفسر حجم الضغوط عليها من الحليف الأكبر؟ وهل يمكن لحكومة عراقية تعاني من عدم الاستقرار، وتحظى الولاياتالمتحدة بنفوذ واسع فيها، أن تساعد النظام السوري بالمال والنفط والدعم اللوجستي دون عين الرضا من صانع النظام؟ ماذا تفعل الطائرات بدون طيار التي أطلقتها الولاياتالمتحدة لتراقب الاراضي السورية؟ وماذا عليها ان تراقب في الاراضي السورية ولمصلحة من؟ لماذا ترفض الإدارة الامريكية إمداد الثوار بالسلاح إذا كانت تستهدف إسقاط النظام؟ لماذا تغض النظر عن السفن الايرانية التي تزود النظام السوري بالسلاح وهي تتحرك بكامل حريتها.. متى تتوقف تلك التحليلات الساذجة لأدوار متخيلة تعاندها الوقائع والمواقف حتى اليوم؟ أما روسيا فهي وإن كانت حظيت بأكبر قدر من لعنات الأحرار على دورها المعطل في مجلس الامن، فهل تعمل وحدها أم أن هناك توزيع أدوار: موقف روسي معطل لأي قرار أممي مقابل دعم مشروع بوتين لرئاسة جديدة مع ضمان مصالح روسيا في مناطق نفوذ متنازع عليها؟!!