إن مبررات الحدث الغنائي بوصفه منتجاً ثقافياً لا تنعزل في حوافزها عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . إذ يمكن تتبع الأسباب وراء ظهور عايدة الأيوبي مطلع التسعينيات في تكرارية منظومة مواضيع الغناء، وتكرس الألوان الغنائية واتجاهاتها رغم التميز القائم لبعض الأسماء غير أن الأنماط المكرسة محدودة، وهي تحت طغيان آلة سوق الإنتاج وجرافة الفضائيات المستهلكة والمهلكة في نفس الوقت دون غفلة التطورات السلبية على مستوى الاقتصاد الرأسمالي وتقولب الحياة الاجتماعية وأدلجتها، وتحلل البنى السياسية وتقويض دور الدولة. وبعد أن حققت الأيوبي ثلاث مجموعات غنائية :"على بالي (1991) من زمان (1993) رفيق عمري (1996)"، وظهور وحيد في فيلم" حرب الفراولة"(1995) بأغنية أخذت من مجموعتها الثانية. ولعله الجدير بذكره أنها تكتب وتلحن أغنياتها بالإضافة إلى أنها عازفة على آلة الغيتار والعود اتخذت أسلوباً بقي على هامش التجربة الغنائية المكرسة آنذاك. وبقدر ما تتيح التحليلات الثقافية إلى وضع أسباب عدة على أولها صعوبة المنافسة في السوق الغنائي، وثانيها غرابة الطرح المقاوم للسائد في اتجاهه ولونه، وثالثها الالتزام بالقضايا الاجتماعية غير المسيسة. تقدمت بأعمال تطرح الحب وحالته ببساطة ومباشرة عبر تفاصيل الخجل والعزلة، وموضوعات الهجرة القسرية للعمل، والعناية بالطفولة وحقوقها بالإضافة إلى مختارات من تراث الغناء ومعاصرة ما بين الغناء الشعبي والملتزم عبر أرشيف أحمد داوود حسني وأحمد صدقي ومرسيل خليفة. توقفت الأيوبي بعد ثالث مجموعة محققة تفردها الغنائي (الأسلوب الأدائي) بين المتشابه والسائد المكرسين في المشهد الغنائي، وهي تتوازى مع نماذج مختلفة وإنما مسيسة مثل جوليا بطرس وفرقة أجراس وأميمة الخليل، وفي أعمال قابلة للتداول المستمر رغم الغياب الطويل بين عامي 1997-2008. عادت عام 2009 إلى الغناء من خلال مجموعة " توسل ورجاء بجاه سيدنا النبي" وهي دينية الطابع، وقدمتها في حفل بالمدرسة الألمانية الإنجيلية بالدقي، بحضور دبلوماسي من سفراء ألمانيا وبلجيكا وسويسرا والمجر، وذلك لمرور عشر سنوات على بدء التعليم الإسلامي المسيحي في مصر. استذكرت الأيوبي أغنياتها المكرسة في الوجدان الاجتماعي " علي بالي" واستعادة أغنية "عصفور" التي سبق أن غنتها أميمة الخليل. وأنشدت في ذات الحفل الجزء الأول من بردة البوصيري التي وزعها الموزع الألماني بوتشكا، وصاحبها ترجمة لمعانيها باللغة الإنجليزية، وصرحت حينها بأنها ستتجه فى الفترة القادمة إلى هذا اللون من الغناء الصوفى. غير أن ما قلناه سابقاً قلب كل توقعاتها فبعد ثورة 25 يناير وضعت أغنية"بحبك يا بلدي" لتذكر الشهداء وتعمق مفهوم التضحية الوطنية. وكرست في الأغنية قيم إنسانية بطريقة مذهلة البساطة متمثلة في التضحية والحب والإيمان والخير، وقبل نهاية العام 2011 أطلقت أغنية"يا الميدان" مع فرقة كايروكي لتثمين قيم العدالة الاجتماعية والحق والمساواة والشجاعة والحرية. ربما ذات الأسباب التي كانت وراء ظهور عايدة الأيوبي هي ذاتها كانت وراء احتجابه كما هي نفسها وراء عودتها مجدداً. ولعلها فرصة لإعادة رسم المشهد الغنائي بمشاريع مختلفة وحناجر متعددة. ثمة ما يتفتح كالورد. هناك حناجر تخشبت بات إسدال الستار عليها وشيكاً .