عاد نادي مكة الأدبي الثقافي إلى استئناف نشاطاته المنبرية بالمحاضرة التي جاءت ضمن نشاطه بأحد أعلام المفكرين المغاربة المعاصرين ، من خلال دراسة نقدية قدمها الدكتور حميّد سمير الأستاذ بجامعة أم القرى بعنوان :( مشروع الحداثة الإسلامية .. عند المفكّر الإسلامي طه عبدالرحمن) والتي قدّمها عضو الجمعية العمومية للنادي رئيس تحرير مجلة النادي الدكتور عبدالعزيز رده الطلحي، ومن الصالة النسائية عضو مجلس إدارة النادي ورئيسة للجنة الثقافية الدكتورة هيفاء عثمان فدا. وقد استهل المحاضِر حديثه بالوقوف أمام تعريف توافقي للحداثة التي تمثّل حقبة تاريخية متواصلة ، ابتدأت في أقطار الغرب ثم عمّت أقطار المعمورة .. مشيراً إلى إن هدف الحداثة الأساس كان تحرير العقل ، الذي تأثر بالكنيسة سلبا. جانب من حضور الأمسية وعرّج المحاضِر إلى موقف المفكر المغربي طه عبدالرحمن من الحداثة ، حيث انطلق في مشروعه النقدي للحداثة الغربية من مسلمة أساسية وهي أن النموذج الغربي الحداثي ليس صواباً كله ، وليس خيراً مطلقاً، ففيه من الآفات والقيم السلبية ماجعل بعض الأصوات من الغرب ترتفع جهراً لتجريمه لعلاته المعنوية والخلقية التي ألحقت الأذى بالإنسان وجعلته في حالة من (الفردانية المطلقة) التي يسميها ألكسندر كوجيف ( الفردانية الحيوانية)، ويسمى أصحابها (الحيوانات المثقفة) نظراً لاقبالهم على العناية بمصالحهم الفردية ، غير مكترثين بمصالح غيرهم ، ولإقبالهم أيضاً على إشباع متعتهم الحسية على نحو فج. وبيّن المحاضر أن طه عبدالرحمن بنى مشروعه النقدي على رؤيتين: واحدة نقدية، والأخرى إصلاحية تقويمية.. ففي ( الرؤية النقدية) عرض للآفات والقيم السلبية التي لحقت بالنموذج الغربي .. أما في (الرؤية الإصلاحية) فقد اقترح فيها حلولاً وبدائل، من شأنها أن تعدّل النموذج وتصلحه.. مشيرا إلى أن المفكر طه عبدالرحمن ميّز في مشروعه الحداثي البديل بين روح الحداثة ، وبين واقعها.. إذ هي لديه عبارة عن مبادئ اعتبارية ذات مقاصد سامية، إذ لخصها في ثلاثة مبادئ: مبدأ الرشد الذي يتكوّن من ركنين هما: الاستقلال، والإبداع، ومبدأ النقد، والذي بني على العقلنة الشاملة، مبدأ الشمول الذي يشمل الدنيوية والتعميم.. حيث يأتي "واقع الحداثة" بوصفه التطبيق الغربي لهذه الروح .. موضحا بما أن الحداثة الغربية قد انطلقت من مسلمات خاطئة فإن تطبيقاتها لهذه المبادئ أخرجتها من مقاصدها السامية إلى أضرار وآفات تحتاج إلى التقويم والتصويب.. وأن هذا ما قام به طه عبدالرحمن في مشروعه النقدي الهادف.. والذي بناه على نظرية (التعبّد) .. تلك التي تقوم على أن بمقدور التعبّد والإيمان أن يدفع عن الحضارة الغربية وعن تطبيقاتها الخاطئة كل الآفات التي أصابتها جراء اعتمادها على العقل الأدائي المجرّد المؤدي إلى سلطان القهر والبطش. وخلص المحاضر إلى ثمرة مشروع الحداثة، عند المفكّر الإسلامي طه عبدالرحمن والتي وصفها بأنها استبدال نظرية التعبد القائمة على التوحيد والفضيلة والهدى بالعقلانية المجرّدة المبنية على التحكّم من شأنها أن تقلب حال الحداثة في المجتمع من سيئ إلى حسن فالأحسن.. مشيرا إلى أن نجاح الحداثة في المجتمع الإسلامي يجب أن ينبع من تطبيق صحيح يرتبط بالذات.