زواجات زمان كانت أكبر فرصة للتواجد، وتلبية الدعوة؛ ليس فقط وصلاً مع الآخر، أو صلة رحم معه، ولكنها فرصة لإعلان الفرح، والإحساس بقيمته.. فرح له صوت الطبول، وطعم الحياة، ونغم الروح التي تحضر ب"نفس زينه"، وتصافح من "قلب صافٍ".. اليوم زواجات ب"الكوم" ودعوات تصل إلى حد "الرسمية" والحضور لا يزال في معظمه باهتاً "سلّم واطلع".. دون أدنى إحساس بقيمة الفرح، وابتسامته، وأكثر من ذلك تكلفته المرهقة!. فرح وتكافل في الماضي كانت المجالس وسيعة والصدور أوسع، فلا تكلّف في حفلات الزواج ولم تعرف "القاعات" و"الاستراحات"؛ حيث كانت حالة الطوارئ تعلن في بيت العريس وأهله قبل "العرس" بأيام، ويوم "العرس" يتجمع الأهل والجيران والأقارب والأصدقاء -بدون بطاقات دعوة طبعاً-، وأجمل ما في ذلك المشهد منظر الشباب والأطفال وهم يحملون الصواني على رؤوسهم، وبعضهم في يده "دله القهوة" يسقي الحضور والآخر "يبخرهم"، وبعد العشاء يتجمع الكل للاستمتاع ب"العرضة" و"السامري" و"الخبيتي" و"المزمار"، تعلو وجوههم الضحكات ويتبادلون الأحاديث محلقين في سماء السعادة والسرور. ولعلَّ من أهم ما تميزت به حفلات الزواج في الماضي تضافر جهود الجميع، حيث كان العريس آنذاك يتلقى الهدايا العينية والمبالغ النقدية، فيما يعرف ب"النفعة" أو"الرفدة" وهي عادة اجتماعية جميلة، والبعض يسميها "عانيّة"، والأصل فيها مساعدة المقبل على الزواج بتقديم مبلغ مالي بسيط أوهدية عينيّة تعطى للعريس أو والده ليلة حفل الزواج بعد السلام عليه وتهنئتة، حتى إنّ بعض العرسان يجد نفسه في كثيرٍ من الأحيان قد تلقى مساعدات تفوق تكاليف زواجه، خاصةً إذا كان العريس وأهله من عائلة معروفة تتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة. ملل ورسمية واليوم وفي وسط عالم متغير امتلأ فضاؤه بوسائل التقنية الحديثة؛ تأثرت حفلات الزواج خلال السنوات الأخيرة برياح التغيير التي هبت على حياة الكثيرين تحت ذريعة التمدن، وأخذ هذا التغيير يلقي بظلاله على العديد من الموروثات والعادات والتقاليد المرتبطة بطقوس "الأعراس"، والتي بدأ الكثير منها يتوارى شيئاً فشيئاً حتى أصبحت جزءاً من الماضي، والذي تحول إلى ذكريات جميلة تُحكَى للأجيال أحياناً ويُبكي عليها حيناً آخر، وكما هو معروف فإن عادات وتقاليد الزواج في المملكة تختلف بحسب مناطقها، وعلى الرغم من اختلاف تلك المناطق في بعض التفاصيل، إلاّ أنّها تلتقي جميعاً في افتقادها إلى كثيرٍ من التكافل الاجتماعي، والذي كان يصنعه في الماضي الأهل والجيران والأقارب والأصدقاء؛ بهدف إنجاح حفل "العرس" وتوفير كلّ مستلزماته. وخرجت حفلات الزواج اليوم والتي تقام في الفنادق والقاعات الكبرى بمبالغ باهظة عن إطار الفرح والحميمية التي كانت سائدة في الماضي، ولم يعد هناك فارق كبير بين الأفراح والأتراح؛ فالمحصلة في النهاية واحدة "قهوة وشاي ومفطحات"!، وسط إطار من الرسمية والصمت المطبق على الحضور، وقد لجأت بعض الأسر إلى إدخال التعديلات على طقوس حفلات زواج أبنائها وبناتها وتجردها من مظاهر الفرح والتي كانت من عادات الماضي، ومنها إحياء الزواج بالدف للنساء بعيداً عن أعين الرجال، كما منعت ظهور الزوج والزوجة أمام النساء وجلوسهما للحظات وتصويرهما مع أقارب العروسين، ومنعت أيضاً أجهزة التصوير من دخول قاعة النساء لالتقاط الصور التذكارية للعروسين، كما افتقد الحضور من الرجال لجلسات الفنون الشعبية، وأصبحت حفلات الزواج في الغالب تقتصر على شرب "الشاي" و"القهوة" ثم تناول طعام العشاء والخروج سريعاً. وبات جلياً انّه يجب أن تتم إعادة النظر في حفلات الزواج من جديد، من خلال الإعداد الجيّد لها كي تَخرُج من إطارها الحالي الذي وضِعت فيه، قبل أن يأتي يومٌ يُدعى الناس إلى حضورها ولا تجد من يجيب، وذلك بعمل برنامج مخطط لحفل الزواج بشكل لا يبعث على الملل، بحيث تأخذ حفلات الزواج طابع الفرح.