لقد اهتم أجدادنا و العرب عموما بمطالع النجوم باعتبارها علامات يرسمون من خلال مواقعها خرائطهم وفي الوقت نفسه تدلهم على المواسم ، يهتدون بها ، تتبين لهم طرقهم في أسفارهم وأثناء ترحالهم وتنقلهم ، ويحددون بعد ذلك المواقع والموارد المائية خاصة أن الصحراء فيها أجزاء مستوية هي سهول واسعة المساحة أو رمال كالبحار وليس لديهم سوى خبراتهم تلك حيث لا أجهزة ولا وسائل ميسرة علما بأن بعض المرتفعات كالجبال والهضاب وكذلك الوديان لها أهميتها كلوحات إرشادية تدل على الاتجاه . والملاحظ أن أجدادنا أيضا يهتمون بدرجة أكبر بفصل الشتاء ، أكثر من اهتمامهم بالصيف وبقية الفصول ، أعني تبادل المعلومات وكثرة الحديث عنه ، وذلك لأسباب عدة كون أيامه تأتي بالجديد في كل مرة لكن أهمها أن هذا الفصل فيه تنوع و متغيرات كثيرة منها : شدة البرد وصعوبة التعامل معه بالنسبة لهم فقد تعودوا الأجواء الدافعة وتكيفوا مع الحارة ولكن الشتاء يقدم عليهم فيحد من حركتهم و يصعب معه المبيت في كل مكان أو متابعة إبلهم ومواشيهم ومزروعاتهم بسهولة ، إذ لا مبيت إلا في خباء دافىء ، و يكون الفقير في عسر من تجاوز أيامه ، واللباس من الصعوبة الحصول عليه بوفرة وكذا الغذاء ، وتحبس الناس درجات الحرارة المتدنية و تلزمهم ضرورة وجود نار التدفئة بصرف الوقت في جلب الحطب ، كما تقيد حركتهم واغتسالهم ، علما بأن معظم الأعمال الشاقة هي في الشتاء ، من تهيئة الأرض و حرثها وزراعتها . وفي الشتاء يترقب الناس بشرى الخير من أمطار وكلأ ، وينتظرون امتلاء المنخفضات بماء المطر والسيل وتكون الغدران وزيادة مياه الموارد والحسيان فهي مخازنهم الاستراتيجية ، وفي الشتاء تتحدد ميزانية العام الذي هم فيه ومخزون العام الذي يليه فإن كان عامهم الذي هم فيه متوفرة فيه الخيرات مخضرة الروضات مخصبة كل الجهات ، استبشروا ورسموا وفق توقعاتهم عددا من الميزانيات ، ومن خلال تلك التوقعات يسددون ما عليهم من القروض و المديونيات أو يقترضون ، ويرسمون عددا من السياسات الزراعية والرعوية والاقتصادية بل والاجتماعية . إذا لا غرابة أن يهتم أجدادنا بالشتاء خاصة ، أكثر من بقية الفصول وقد تأثرنا بهم الآن في مثل هذا الاهتمام مع اختلاف الأسباب . إنه فصل متميز عن غيره كونه موسماً تتبع نتائج ما يجري فيه بقية الفصول ، فالزراعة وري الأشجار في الصيف مثلا لا تجود إلا بالمياه التي خزنت من أمطار الشتاء ، والزراعة البعلية التي يحصدونها مع أول الصيف زرعت أساساً في فصل الشتاء بناء على تقدير هطول كميات أمطار كافية ، ووجود الأعلاف التي في صفافهم ( غرف التخزين ) في دورهم هي أيضا من جمع وحصاد تم في فصل الشتاء ، يطعمون منها مواشيهم حتى حلول فصل شتاء آخر ويبيعون منها عند الجفاف ، إذا هي ثروة مخزنة . و لا نستغرب أن يجعلوا لكل جزء من الشتاء قصة ومن أحواله معهم وأحوالهم فيه وأيامه أمثالا تضرب ، ويشبهون ويمثلون ويختصرون العبارات لأجل تثبيت المعلومات بطريقة سهلة . سموا بعض الأيام بالشباط ، وقالوا عنه ( شباط اللباط كلامه بدون رباط ) وكأن الشباط رجلا يتكلمون معه ، وهو تشبيه ، وأن البرد فيه إن ذهب يوما عاد يومين ، والرياح الباردة تهب يوما وتتوقف يومين والعكس ، فهو لا يتعامل معهم بكلام رجال بل يغير كلامه ، هذا معنى الرباط ، وكما نقول : الرجل عند كلمته إلا أن الشباط ما على كلامه رباط ، إذا قال كلمة غيرها ، فهو يقول اليوم برد ، ثم يغير كلامه آخر النهار فيكون حر وهكذا بالنسبة للغبار والرياح . وهم بهذا التشبيه لما يجري فيه لا يقصدون الشباط ذاته ، فهم يعرفون أنه زمن ووقت له خصائصه، ولكن يريدون تثبيت معلومة لدى أنفسهم ويعلمون أولادهم هذه الخصائص بطريقة محببة وبتعليم هو مزيج من القصة والمثل الشعبي ، وهي طريقة تثقيفية جيدة . أما العقارب فيقولون عنها : [ العقارب خير قارب ] والخير بالطبع هو الربيع في نهايتها بعد هطول الأمطار ، وأيضا قرب الدفء منهم . والعقارب ثلاث : وصفوا مرورها بثلاث مراحل وهذه المراحل شبهت بمراحل ذبح الذبيحة ، فمن يريد أن يذبح ذبيحة فعليه أن يسمي ثم يذبح ثم يطبخ ويأكل . فقالوا : سم ، بفتح السين ، يعني قل باسم الله . والثانية : دم ، يعني خروج الدم من الذبيحة . والثالثة : دسم ، ويعني ذلك طبخ لحمها والتدسم بشحمها ولحمها والشبع منها . وهذا تقسيم عددي لا وصف فيه لخصائص العقارب من برد أو حر أو غير ذلك ، وإنما يريدون تثبيت معلومة فتكون هذه الفترة من الوقت مقسمة إلى ثلاثة أقسام ، فلا ينتظر خلال تلك الفترة التي تتحدد ب [ 39] يوماً تغيرات مخالفة لخصائصها ، والتي عرفوها في نمو النبات و تزاوج الطيور وتساوي ساعات الليل والنهار وكثرة الأمطار وخصوبة الأرض وإعشابها ومن ثم انعكاس كل هذا على الحالة الاقتصادية . وهناك من علل بالسم والدم والدسم بأحوال أخرى تصيب الجلد للإنسان ، فبرد العقرب الأولى سم ، والأخرى دم ، والأخيرة دسم ، لكن هذا يبدو أنه لا يتطابق مع الواقع ، فبرد المربعانية والشباط الأول والأخير هي أصعب بكثير من برد العقارب ، الذي وإن وجد فهو أقل من برد الشباط الذي فيه كل السم والدم ، والسم والدم إن كان له وجود فهو في ذاك البرد وليس في برد العقارب لكن لا يعني أنها دافئة بل باردة على النساء خاصة حيث يقولون : [لولا العقارب وبردهنّ ، كان النساء يزرعنّ] فلا يتحمل الزراعة في العقارب إلا الرجال لتعودهم على الشدة . والذي يظهر أنهم بالفعل يريدون تقسيم الوقت بحسب ذبح الذبيحة ، من التسمية ( سم ) والذبح ( دم ) و ( دسم ) الأكل والشبع والإدّهان بما في اليدي من الدسم كما هي العادة عندهم ، حيث يدهنون جلودهم بما علق في أيديهم من الدسم والدهون وقت الأكل وبعد الفراغ منه ، وقد جرت العادة عند الكثيرين أنهم لا يغسلون أيديهم من الدسم بل يدهنون بقية الجسد وخاصة الأطراف بما علق دسم. وبعد انتهاء الشتاء تخف كثيرا متابعة المتغيرات ، سواء طوالع النجوم أو تعدد المواسم ، ويبقى الاهتمام بها من قبل الخاصة دون العامة ، وذلك لأن الذين يعنيهم متابعة المواسم لا ينفكون من تلك المتابعة أبدا ولكنهم عدد ليس بالكثير وبالتالي لا يكون الأمر هما عاما يتحدث به الجميع ، وهذا ما يحصل الآن ، فالمزارعون مثلا يبقون متابعين على مدار العام ، ولكنهم لا يشاركهم في الاهتمام البقية ، فيلاحظ فترة ركود في التنبه للمتغيرات التي تحصل ، إلا أن يحصل موجة غبار غير معتادة أو رياح شديدة . أما تسمياتهم الأخرى لبرد العقارب وامتداده فشبهوه بعمل رجل اسمه : سعد ، ولعله تفاؤلا بالسعادة ، فهذا الرجل لما أصابه من برد العقارب ذبح بعيره ثم أكل منه ثم سعد بعد الشبع ثم لبس من الجلد ما يقيه البرد ويختبئ ويحمي نفسه منه . وعلى هذا يكون التقسيم أربعة : سعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية . فإذا تصورنا هذا التشبيه ، تركزت في أذهاننا تلك المراحل المناخية . يقول الشاعر : نمر . غدرا وليل عنه ما يدفي اللبس برد الشمال وناطحين مهبه ليامن دس الطير بيدينهم يبس سارين كن الما عليهم تصبه بالمربعانية وليل كما الدبس تنام يد راع الشخط مايشبه وعن هواء الشباط قالوا ( مقرقع البيبان ) فأول ما يفاجأ به الناس في الشبط هو ما يسمع من حركة الأبواب وهي مغلقة بالطبع ، ولكن الفراغ بين الباب الخشبي والجدار يسمح بحركة حرة ، وهذا يوهم من في الدار أن هناك شخص وراء الباب يطلب فتحه ، فإذا توجهوا للباب وفتحوه لم يجدوا أحدا ، وإنما هي الرياح التي هاجت في مثل هذا الوقت ، تهب وتخمد ، تهدأ وتشتد وتتغير اتجاهاتها فجأة . والشتاء عموما تظهر فيه الحاجة عند كثير من الناس ، لكلفته غذاء ولباسا بل ومبيتاً . يقول الشاعر الظلماوي : ياكليب شب النار ياكليب شبه عليك شبة والحطب لك يجابي وعلي أنا ياكليب هيله وحبه وعليك تقليط الدلال العذابي وادغث لها ياكليب من سمر جبه وشبة الي منه غفى كل هابي باغي ليا شبيتها ثم قبة تجلب لنا ربعا سراة غيابي بنسريةً ياكليب صلفا مهبه لاهب نسناسه تقل سم دابي سراة بليل وناطحين مهبه متكنفين وشوقهم بالعذابي الوالمة ياكليب عجل بصبه والرزق عند اللي ينشى السحابي