ودّعت المؤسسة العسكرية في الجزائر، وهي واحدة من أقوى وأهم مؤسسات البلاد التي ظلت وما تزال تلعب دورا كبيرا في خيارات الجزائر وقراراتها، أحد أهم أبنائها ممن تقلّد مناصب بارزة داخل «الصامتة الكبرى» مثلما تنعتها وسائل الإعلام المحلية، الجنرال المتقاعد محمد العماري. ولقد توفي محمد العماري ( 72 سنة ) أمس بعد سكتة قلبية أثناء تواجده بمسقط رأسه بمدينة بسكرة ( 350 كلم جنوب العاصمة الجزائر ) التي كان يتردد عليها منذ استقالته من المؤسسة العسكرية التي غادرها العام 2004 على خلفية اعتراضه تولي الرئيس بوتفليقة عهدة رئاسية ثانية وتفضيله التخندق إلى جانب غريمه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس. ويحسب للراحل محمد العماري، الذي يعّد واحدا من صقور المؤسسة العسكرية في الجزائر، بل وأحد أهم أيقوناتها التاريخية ممن لعبوا دورا كبيرا في مواجهة المد الأصولي والجماعات الإرهابية طيلة التسعينيات، يحسب له قراره عندما كان رئيس أركان الجيش الجزائري تحييد المؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية وكان ذلك قبيل رئاسيات 2004 عندما قال العماري للصحافة « إنها ستكون محايدة وإنها لن تدعم أي مرشح» وهذا بعد أكثر من 40 سنة عرفت مؤسسة الجيش داخل الجزائر وخارجها بأنها رقم مهم، بل محوري في التمكين للرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم للوصول إلى كرسي الرئاسة، وعوّدت الجزائريين على قول كلمتها في المواعيد المصيرية التي تشهدها البلاد. وشكلت استقالة الراحل محمد العماري من قيادة أركان الجيش الجزائري نهاية مرحلة، وبداية أخرى، تؤسس للطابع المدني للحكم في الجزائر الذي يسعى بوتفليقة إلى التحكم في زمامه بعيدا عن السطوة التقليدية للعسكري على السياسي وكان الجنرال محمد العماري رحب عشية رئاسيات 2004 بوزير دفاع مدني وقال إن المؤسسة العسكرية لا تعترض على أن يتولى مدني دواليب المؤسسة العسكرية. وتدّرج محمد العماري في المراتب القيادية في الجيش الجزائري منذ انخراطه فيه العام 1961 إلى أن صار العام 1992 قائدا للقوات الخاصة ثم قائد أركان الجيش الوطني الشعبي منذ يوليو 1993 وهي الفترة التي لعبت المؤسسة العسكرية دورا بارزا في معاقبة جماعات الموت، وكانت قبل ذلك أوقفت العام 1991 المسار الانتخابي الذي فازت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ لزعيمها عباسي مدني ما أدخل البلاد في دوامة العنف المسلح أسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص ما بين مدني وعسكري.