في فضاء الانترنت الخفي.. وفي مدن الصفيح الفقيرة.. وتحت خط الفقر القاسي؛ تنتشر تجارة الأعضاء البشرية وبيع الأجنة المجهضة.. تجارة في ظاهرها طوعية وإنسانية وفي باطنها استغلال بشع لحاجة المعطي وظروف المتلقي.. في أفغانستان مثلا تجد أشخاصا يفتقدون لأطرافهم أو كِلاهم أو قرنيات أعينهم لأنهم ببساطة باعوها على سماسرة يصدرونها للخارج. وفي قرى الفلبين الفقيرة لا يبيع الآباء بناتهم فقط، بل وكِلاهم التي تصدر خلال 24 ساعة الى أوروبا والصين. وفي الهند والبرازيل وكمبوديا وبوليفيا وغرب إفريقيا يختطف الأطفال - أو يباعون من قبل ذويهم - ويصدرون للخارج كقطع غيار مجمدة.. والمخجل فعلا أن المجتمعات الثرية المستوردة تتجاهل مصدر هذه الأعضاء، أو تكتفي بشهادة استيراد طبية يمكن توفيرها بسهولة. والأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه الى المتاجرة بالأجنة المجهضة والمشيمة الخاصة بها.. والأجنة المجهضة مفضلة طبيا كون بصمتها الوراثية لم تتخصص بعد وبالتالي يمكن زرعها كي تتخصص داخل الجسم دون رفضها من قبل جهازه المناعي. ويتم التركيز على المشيمة بالذات كونها منجم ذهب للخلايا الجذعية (التي تنشأ منها جميع الأعضاء البشرية) وأصبحت تحفظ في بنوك متخصصة في أوروبا وأمريكا، ويتم استغلالها لعلاج أمراض كثيرة بدءا من السكري والفشل الكبدي الى الشلل الرعاشي وضعف المناعة وخرف الشيخوخة. وحين زاد العرض على الطلب - وتعددت الأمراض التى يمكن للأجنة علاجها - ظهرت عصابات تشتري الأجنة المجهضة أو تستأجر الأمهات الفقيرات للحمل (فقط) من اجل الإجهاض.. وأذكر أنني قرأت قبل فترة بسيطة عن إعدام الصين لخمسة أشخاص باعوا 180 جنيناً للخارج.. وفي الأرجنتين تم القبض على تنظيم سري يعمد الى إقناع الأمهات الفقيرات بالحمل (مقابل مبلغ مجز) ثم الإجهاض قبل اكتمال نمو الجنين.. وتضطر كثير من النساء في العالم الثالث للمشاركة في هذه التجارة المحرمة بدافع من الفقر والحاجة، وأحيانا لمجرد الرغبة في الحصول على المال كما في روسيا واليابان وأوروبا الشرقية. وفي أوروبا يعد استيراد المشيمات من الخارج عملا قانونيا باعتبارها مستخلصة بطريقة قانونية وطبية سليمة.. وتعد فرنسا اكبر مستورد لمشيمات الأجنة وبقايا الدم السُري من شرق أوروبا والعالم الثالث.. فهاتان المادتان بما تحتويانه من خلايا جذعية غير متخصصة تعتبران مادة أساسية في صنع كريمات تجديد البشرة وإعادة الشباب. والقانون في فرنسا لا يعارض استيراد هاتين المادتين ولا يهمه كيفية الحصول عليهما طالما تأتيان من "الخارج"!! أما في الولاياتالمتحدة فقد تتبع برنامج دايتلاين شخصيات سياسية معروفة ذهبت الى شرق آسيا لتلقى علاجات "جينية" تعيد الشباب وتحمي من عته الشيخوخة. ولم يكن الأمر ليحظى باهتمام واسع لولا ان مقدمي البرامج أجروا مقابلات مباشرة مع بعض الأمهات اللواتي "حملن من اجل الإجهاض" في كمبوديا ومنامار. وبسبب ردود الفعل الغاضبة رفض حينها وزير الصحة لويس سلفيان تخصيص دعم تقدم به معهد الصحة القومي للتوسع في دراسة استغلال الخلايا الجينية في العلاج!! المعضلة الأخلاقية أن بيع الأعضاء وتجارة الأجنة (مهما بدت لنا بشعة ومحرمة) يمكن التغاضي عنها وتختلف النظرة إليها حين يتعلق الأمر بحياة المتلقي نفسه. بكلام آخر؛ في حال كنت مريضا أو على وشك الموت هل ستسأل عن مصدر العضو المزروع أو ترفض تلقي علاج يعتمد على خلايا الأجنة المجهضة!؟ حسنا.. وماذا لو كان المريض ابنك أو ابنتك؟!