اجتماع آخر للجامعة العربية وقرارات جديدة تلوح بطلب قوات دولية لحفظ السلام في سوريا وتدعو لمقاطعة دبلوماسية، ومع تنادي دول العالم مع المأساة السورية فإننا نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، والخشية أن يطول الشجب والاستنكار بينما تتواصل إراقة الدماء على نحو لحظي ولا عزاء للأبرياء. أفق الحل لا يبدو قريباً، وتعقيدات الموقف الإقليمي تزيد الأمور سوءا ذلك أن سوريا هي قلب التغيير في المنطقة بعد أن تداعت الأطراف حتى الآن، فاحتفالات إيران بالذكرى الثالثة والثلاثين التي يحضرها إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال تؤكد أن العرب ليسوا على منهج واضح مما يجري في سوريا كما أن تصريحات أحمدي نجاد بذات المناسبة عن قرب إعلان أخبار مفرحة للإيرانيين عن برنامجهم النووي تزيد الأمور تعقيداً؛ حيث يأمل نظام الأسد دخول عامل ثالث يعمق مأساة السوريين بعد أن أثخنت فيهم روسيا والصين. إعلان إيران عن إنجازات جديدة في برنامجها النووي سيصرف نظر العالم الغربي عن مجازر الأسد وجيشه، وبدلاً من ادعاء التعاطف مع الشعب السوري الذي يُذبح سوف تتفطر القلوب الغربية على إسرائيل خوفاً من قوة إيران النووية وستنشغل حتى دول الخليج باحتواء تداعيات تطورات المفاعل النووي الإيراني على أمنها الوطني. وبذلك فإن دخول إيران النادي النووي - لاسمح الله- سوف يعني بكل تأكيد خلطاً لأوراق المنطقة وأولوياتها وقد نتوقع تأسيساً على ذلك استئساد حزب الله في لبنان، واستقواء أطراف عراقية متطرفة بما يتحقق لإيران، وبالتالي تعقيداً في الموقف الداخلي العراقي واللبناني مما يلقي بظلاله على الحالة السورية وحيئنذ يكون الحديث عن سنوات وليس أسابيع وأشهراً لإنقاذ السوريين لا سمح الله. هناك مؤشرات لا يجب أن تخطئها العين ومنها أن الأسد ونظامه لن يحكما سوريا المعروفة بعد اليوم، فالعد التنازلي بدأ وإن تطلب إسقاط النظام بعض الوقت. ومع ذلك فإن تغير موازين القوى في المنطقة قد يجعل المراقب يتوقع دويلات عرقية وأثنية ومذهبية في سوريا؛ وهو ما يتوافق تماماً مع توجه في دوائر الدراسات والتخطيط في الولاياتالمتحدة تعزف على وتر تصحيح الخطأ البريطاني الفرنسي في المنطقة حيث يؤمنون بعدالة دولة للكرد تجمع شتاتهم وتستقطع من سوريا والعراق وإيران وتركيا دولة قومية يقطنها نحو 40 مليون كردي. كما أن فتح هذا الباب سيقود إلى دولة علوية نصيرية في سوريا وتكتل سني قد يمتد من وسط العرق إلى العمق السوري، وطبعاً سيكون إلى جنوبه في العراق دولة مذهبية يخطط لها أن تجمع شتات العرب الشيعة مع ما في ذلك من تفتيت واجتياح لبلدان في المنطقة. ما يخطط له في المنطقة بشع وإن بدا ظاهره إعادة التوزيع العادل للإقليم على أسس توحد الشعوب المستحدثة، وفي اعتقادي أن إسرائيل ستكون أول الرابحين في المنطقة الجديدة وربما يكون إعلانها عن خط حديدي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط هو بدائل طرق لوجستية طويلة المدى تحسباً لأية تقلبات يتوقع تداعياتها على المديين القريب والمتوسط. الحالة السورية هي حلقة في عملية إعادة خلط الأوراق في المنطقة وليست حالة معزولة كما أن الوضع في مصر لم يصل محطته الأخيرة ولا هو كذلك في ليبيا ولا العراق وستتوقف كثير من التكهنات فيما يخص سوريا أو العراق أو لبنان أو الخليج على ما ستعلنه إيران عن برنامجها النووي خصوصاً إذا وصلت إلى مرحلة اللاعودة واضطرار المجتمع الدولي لمصافحتها باحترام. أعتقد أنه مهما كانت المبررات، وأياً كانت المآلات فإن صمت العالم وإيثاره الانتظار فيما يخص شلال الدم السوري هو وصمة عار للبشرية، ومع ذلك فإنه يعلن بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدم العربي ليس له قيمة قادرة على تحريك الضمير العالمي.