زرتُ صديقاً لي في المستشفى. رأيت رجلًا يجلس أمامه . بعد دقائق وضع الملتحي يده اليمنى على صدر صاحبي وبدأ يقرأ. أفصح عن بعض الآيات فسمعتها وبعضها همهم بها ثم أنهى قراءته قام وقال كلمة . في أمان الله. انطلق ناحية الباب بالكاد لمحت طرف ثوبه قبل أن يختفي في الممر. سألت صاحبي بكم؟ قال بمئة ريال. قلت هات خمسين ريالا وسآتيك كل يوم أقرأ عليك. وأتعهد لك ألا أهمهم إذا عجزت عن تذكر الآية. سأكون صادقا معك وأفتح الكتاب الكريم وأدقق في أخطائي. صاحبي هذا على قدر كبير من الوعي ولكنه وافق، على حد قوله، أن يزوره هذا الرجل لأسباب عائلية صرفة. يريد أن يرضي البسطاء من جماعته الذين ضغطوا عليه وتعاقدوا مع هذا الرجل دون إذنه من باب المحبة. دخلنا في حوار حول قراءة القرآن وفوائده ومن يقرأ على من؟ وقلت له إن القرآن هو أفصح من كل ما جاءت به العرب في تاريخها. لا يحتاج في قراءته إلى أوصياء. نصحنا معلمونا الأوفياء أن نقرأه دائما ونتدبر آياته ونلجأ إلى من هم أعلم منا في اللغة والتفسير إذا أشكل علينا الأمر. فكلما قرأته بنفسك صار أبرك لك وأفصح للغتك وقدراتك العلمية. ثم نقلت له تجربتي. إذا قرأت الآية كدليل في حكم فلا تتردد عن الرجوع إلى الكتاب بنفسك للتأكد من الآية بغض النظر عن صاحب الاستشهاد. ثم مضينا في القراءة فوصلنا إلى الاستشهاد بالآيات الكريمات لتحليل وتحريم كثير من الأمور. فتحت الكتاب الكريم وبحثت عن الآية التي طالما تم الاستشهاد بها في الدفاع عن الزواج من أربع. فقرأت عليه قوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) تناقشنا قليلا وعرفت أنه سمع هذه الآية كثيرا ولكنه لا يعرف أن هذه الآية غير مكتملة والآية كاملة هي كالتالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) ثم قرأت عليه الآية الكريمة التالية: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ وأوضحت له أن هذا الدليل جزء من كلّ أكبر وأشمل ستجد ذلك عندما تقرأ القرآن بنفسك: ثم قرأت عليه: (.. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) هكذا أمضينا جلسة ممتعة ومفيدة قرأنا فيها عدداً من الآيات الكريمات. وقبل أن اودعه دعوت له بالشفاء ودعوت لكل من ترك الآخرين يقرأون له كتاب الله باليقظة وأن يهديهم إلى قراءته بأنفسهم.