استمعت لمحاضرة لباحثة امريكية حول نهاية الجندر.. نهاية التمييز بين الرجال والنساء على مستويات عدة.. لا أريد الحديث عن هذا الموضوع لبعده عن كثير من القراء وعدم ملاءمته وكثرة اللغط الفاضي الذي يحيط به. ما لفت نظري في حديث الباحثة أن النساء أكثر استخداما للنت من الرجال. كلام المرأة هذا لا علاقة له بالمرأة السعودية التي قد تجد نفسها مضطرة أن تتسمر أمام النت لأسباب لا تخفى حتى على العصافير. حديث الباحثة يشمل المرأة في العالم.. لعل النت تتميز بطبيعة تجتذب النساء.. لم تشر الباحثة إلى تلك الطبيعة لأنها كانت تتجه إلى نهاية الجندر. أشارت في محاضرتها إلى سيطرة الميديا الحديثة على الميديا القديمة ثم اعتماد ملاك الميديا القديمة (التلفزيون والجرائد والاذاعات... الخ) على الميديا (النت) في اختبار اتجاهات مشاهديهم مما يعني انهيار التقسيمات الديموغرافية التقليدية (السن والجنس والعرق... الخ). الشيء الذي نبهتني له الباحثة أن الناس في الميديا الحديثة (الفيس بوك مثلا) لا يتجمعون وفقا للتصنيفات القديمة (الشباب، والنساء، والعرب.. الخ). يتجمعون وفقا للاهتمامات. قد تلاحظ ذلك بنفسك من خلال متابعينك في التويتر أو أصدقائك في الفيس بوك. لا تربطكم علاقات تقليدية. فهم كما نقول يأتون من كل حدب وصوب.. الأمر الذي يعني أن التقسيمات الافتراضية القديمة كانت مصنوعة تفرضها إلحاحات العمل وميراث الثقافات القديمة. لتوضيح ذلك: كان صناع الإعلام والإعلان (ومازالوا إلى حد ما) يبنون دراساتهم على تقسيمات ديموغرافية من صنعهم: ما الذي يجتذب المراهقين وما الذي يستميل كبار السن أو النساء، واستنادا على ذلك يتم بناء البرامج والإعلانات والبروبوغندا وحتى القرارات السياسية. النت كشفت حقيقة أخرى. علينا أولا وبسرعة أن نفرق بين الاحتياجات والاهتمامات. عندما أدخل على النت لا ابحث عمن يساعدني على بناء بيت أو يغطي مصاريف دراستي. طبيعي أن تفرض الظروف أن تكون احتياجات المرأة السعودية تختلف عن احتياجات الرجل السعودي واحتياجات الشاب تختلف عن احتياجات المسن ثم تختلف في مكان وزمان آخر. في النهاية الاحتياجات لا تشكل وعي الإنسان لأنها مشتركة مع الكائنات الحية الأخرى (الأكل والسكن والصحة.. الخ). ما يشكل الإنسان هو اهتماماته.. الفن والعلم والرياضية... الخ. كشفت الإنترنت أن محبي الفن مثلا لا يفرق بينهم السن أو الجنس أو القبلية أو الدين. قد لا يكون هذا الأمر جديدا، ولكن الجدة فيه أن صناع العالم بدأوا يعرفون ما يهمهم بدقة أكثر. فالإحصائية التي تقول إن المرأة أكثر حضورا على النت من الرجل فرضت على صناع القرار توظيف مزيد من النساء لاشغال مراكز اتخاذ القرار لأسباب عملية بحتة (بعيدا عن الايدلوجيا) لتحقيق مزيد من الأرباح والمكاسب للاستفادة من الزبون الكبير الذي طرأ على المشهد. هذا لا يعني فقط زيادة في صناعة مواد تناسب المرأة بقدر ما يعني مسح كثير من الحدود التي تفصل النساء عن الرجال. فالقرار المتخذ من الطرفين (الرجال والنساء على حد سواء) سيمس الذوق والاحتياجات والتطلعات والمعرفة.. سيعيد تشكيل العالم. التركيز على الفروقات الجنسية على أنها رهان المستقبل دون الفروقات الأخرى كالسن والعرق والدين، لأن الثلاث الأخيرة وغيرها قابلة للامحاء.. الشباب مؤقت والدين قابل لمواكبة التغيير والتغير لأنه مرتبط بإرادة الإنسان ودورة الزمن، أما الجنس فهو عامل ثابت لا يمكن مسحه بالزمن او بالتقلبات.