يعتدي طفل على أخته الصغيرة فتصرخ في وجهه متهمة إياه بالغباء، وعباراتها تأتي في رد فعل طبيعي على ما حصل لها، وهي قد تكون سمعت المفردة في المنزل من إخوتها والتقطتها دون تركيز على معناها، ولكن بفهم من أنها كلمة غير جيدة. وأحياناً تتداخل الأم أو الأب على الطفل إن كان تصرف بعنف، أو قسوة أو لامبالاة باتهامه بأنه غبي على اعتبار أن أهم خصائص الشخص الغبي أنه لا يتنبه لما يدور حوله من احداث وأمور مهمة.. ويبدو ذلك من حركات عينيه، وانفعالاته، كما أنه يمتلك ردود أفعال بطيئة وسطحية، ويرتسم ذلك على عضلات وجهه، ولذلك يقال أحياناً ان فلانا شكله غبي.. وفي الحياة العامة.. تتفاعل أحياناً من الأصدقاء وتتحمس لبرود أحدهم عند الكثير من المواقف الصارخة، وعدم قدرته على التعبير، أو التفاعل.. بل قد يصل إلى البلادة فتتهمه بالغباء وعدم الاحساس والفهم لما يجري حوله.. لكن هل تتوقع أن ذلك قد يكون مؤثراً فيه أو مزعجاً له؟ بالعكس قد يضحك ويقول: «يا أخي أنا غبي وسعيد بغبائي» لكن هل السعادة بالغباء جيدة في كل الأوقات؟ وهل هي مفيدة للشخص الغبي فعلاً أم المتغابي؟ وهل هناك من يدعي الغباء، أو يستغبي أحياناً للخروج من موقف أو مأزق؟ بالتأكيد هم كثيرون وكثيرات، ولا أعتقد ان أياً منا لم يستمتع بلحظة تغابٍ ولا أقول غباء، أثار بها أحدهم متعمداً، أو ساعدته في الهروب من موقف لا يريد أن يتفاعل معه، ويبدي رأياً، أو يتواجد داخله. فمثلاً تجد أحدهم عندما تسأله كيف خرجت من ذلك الموقف الصعب؟ يقول تعاملت مع الأمر وكأنه لا يعنيني، أو بغباء، حتى دفعت الشخص الآخر للثورة والصراخ وهو يتهمني بأنني من غير المعقول أنني لم أفهم ما يريد قوله، أو ما حصل، ولكني ازددت غباءً وقلت له أنا أجزم أنني لم أفهم ما قلت هل تعيده عليّ أو تفصله لأفهم؟ من الغبي هنا أنا أو هو؟ وهل الغباء المفتعل أن تتجاهل الآخر وتستفزه لأهداف تخصك، أم الغبي الحقيقي هو من لا تصله هذه الرسالة وينفعل؟ الفهم هنا يتركز لدى البعض في منظومة التأكد من ذكاء الآخر ولكنه يحاول أن يستغبي لينفذ ما هو مطلوب منه. فالرجل لا يختلف عن المرأة في ممارسة الغباء واستلطافه عندما تُسد طرق الهروب الآمنة. وعودة إلى ما يسمى بالغباء الحقيقي الذي يُعتقد أن 5٪ من سكان العالم أو يزيد قليلاً أغبياء والأسباب وراثية وبيئية. كما أن الغباء أنواع، وهناك فرق بين الغباء العلمي، والغباء الاجتماعي، فقد يتمتع شخص ما بذكاء علمي يؤهله إلى أعلى الدرجات العلمية، ولكنه يعجز عن التعامل بشكل سليم، فيصبح منعزلاً عن الناس من حوله - وهذا ما يمكن أن نطلق عليه أنه غبي في مجال التعامل الاجتماعي، والبيئة هي السبب الرئيسي في هذا الأمر. وهناك تمايز بسيط بين الجنسين في بعض القدرات الخاصة حيث تتميز المرأة بقدراتها اللغوية.. كما يتميز الرجال ببعض القدرات الرياضية والحركية..! والغبي يمكنه أن يمارس حياته بشكل طبيعي، بل ويستكمل دراسته، بالرغم من أن الغباء قد يؤدي إلى بطء تعلم الفرد ومواجهته لمعوقات كثيرة تقف أمام استكماله لدراسته، وهو ما يتعارض مع الفكرة العامة للبعض التي ترى أن فلاناً أصبح كذا رغم أنه غبي، وكان فاشلاً في دراسته، ولم يكن محسوباً من المتفوقين، والصحيح أنه لم يكن غبياً كما يردد هؤلاء بل كان مستهتراً، أو غير مهتم، والدليل ان نجاحه اعتمد على ما لديه من ذكاء سواء أكان اجتماعيا، أم علميا محدودا ليصل إلى ما وصل إليه. لأنه لم يحتج إلى مساعدات خارجية كما يحتاجها الغبي فعلاً، والذي يحتاج ايضاً إلى الكثير من الإرادة القوية والمجهود المكثف والرغبة القوية في النجاح ليتغلب على غبائه الذي لا حيلة له فيه. في النهاية وفي خضم الحياة العملية عليه أن يحسن اختيار عمله حتى يتناسب مع إمكاناته للتغلب على نقص بعض القدرات لديه. أخيراً هل تريد أن تتغابى أحياناً؟ لتكسب أرضاً جديدة، أو تفلت من مأزق؟ أو تريد أن تكون غبياً حقيقياً على الأقل لتهرب من مرارة الحياة والفشل ووجع القلب، الذي كثيراً ما عاير به الأصدقاء أحدهم بأنه غبي وميت قلب وفاقد للإحساس؟ أم تريد أن تعيش لحظات غبائية تختارها أنت لتغيّب إدراكك المؤلم، ووعيك، وتنبهك لفظاعة ما يجري من حولك؟