تحتم الظروف والمشاعر الوطنية على المرء القادر أن يتناول أحياناً فيما يكتبه بعض الجوانب والقضايا السياسية. وفي هذا الوقت الذي تلفنا فيه الأعاصير السياسية، وتغمرنا موجات الاضطراب في أجزاء من وطننا العربي وهي اضطرابات مدفوعة من إحساس المواطنين بضرورة التغيير إلى الأفضل، وإلى الإدارة الأصلح والأنزه، وتحسين مستوى المعيشة، ونشر الحرية المنضبطة. ما أسعدنا حين نرى بلادنا العربية كلها قد عادت لهدوء حالها، واستقرار الأمن فيها، وتشابك لحمتها، ودعوة بعض الكتّاب، ومنهم جمال خاشقجي إلى تكوين (مارشال عربي) يأخذ بيد كل الأقطار العربية ليتم بذلك تكافلهم، ثم نموهم، وازدهارهم ** ** ** في ظل هذا كله علينا أن نتلمس سبل النجاة، ولا نجاة إلا بنظرة واعية شمولية لكل أحوال أقطارنا العربية، إن حال الأقطار العربية كحال الأسرة الواحدة، لا يهنأ لها بال، ولا يستقر لها حال إذا ما أصيب أحد أفرادها بشر، أو عانى أحد أعضائها سوءاً. ** ** ** ونحن في مملكتنا العربية السعودية بحكم مكانة بلادنا الرفيعة، والقيم العليا السامية التي ننهج سبيلها نجد أنفسنا أمام وضع يحتم علينا مزيداً من الاهتمام بحال إخواننا العرب كافة، وخاصة المجاورين لنا، ومع أن قيادة المملكة العربية السعودية لم ولن تدخر جهداً في الإسهام بفاعلية لحل كل ما يعتري الأشقاء من مشكلات، وما يلم بهم من أوجاع؛ إلا أن هناك قضايا لم تحسم بعد، ولن يهدأ لقيادة بلادنا بال، ولا للمواطنين في بلدنا حال حتى نرى حلاً جذرياً مرضياً داعياً لاستتباب الأمن ونشر السلام في بلادنا العربية. ** ** ** ومع بشائر انفراج أزمة الجارة العزيزة اليمن التي عانت طويلاً من الاضطرابات وموجات الصراع، وحالات التنازع مما زاد من حدة الفقر والتخلف الاقتصادي إلا أن الشارع اليمني لا يزال يموج باحتجاجات الشباب واعتصاماتهم وعدم رضاهم عن الحصانة التي منحت لرئيسهم، دل على ذلك إجهاش رئيس الوزراء بالبكاء حينما كان يحث النواب على إقرار هذه الحصانة، مدركاً أنه سيكون محل شماتة وانتقاد حاد من الكثرة الكثيرة الذين لا يرون مسوغاً أخلاقياً لتلك الحصانة، لكنها في رأيه ومجلس النواب معه هي الحل الممكن، ولعل دول مجلس التعاون تستمر في مسعاها الحميد بفتح حوار عقلاني مع الشباب الرافضين؛ إذ لا يصح أن يستمر الاضطراب والتشبث بالرأي، وإمساك كل طرف بعصاه للآخر، مهدداً بسيفه لخصمه، فتضيع كل الجهود الخيرة هباء، وتهدر المصلحة العليا لليمن. ** ** ** ويأتي العراق الذي طال أمد الصراع فيه، واشتد النزاع التعصبي المذهبي بين طوائفه وأهل السياسة فيه، ولم يتبين أي دور فعال للعرب في حسم هذا الصراع، ورأب هذه الفجوات؛ بل تركنا نحن العرب الساحة العراقية لقوى خارجية، كل منها له أطماعه وأهواؤه فيها، وليس من هذه الأطماع ما يتماشى أو يتوافق مع الصالح القومي العربي. إنه صراع مقلق مفزع لا يجوز منا التخلي عن إنهائه، ووقف هذه الدماء المتدفقة، والفساد الشامل الجارف هناك. العراق بلد غني بأهله المؤهلين حضارياً، عايشتهم وعرفت الكثير من علمائهم؛ فوجدتهم من كبار أهل الرأي والتأهيل العلمي الرفيع. العراق بلد الرافدين.. بلد الحضارات ما أجدر أن يعود إلى سابق مجده، ويحيا كما كان ماضي تاريخه المشرق.. وهو يمثل ركناً أساسياً في بناء وطننا العربي - فلا تكامل لنا بدون العراق، ولا هدوء للأحوال من حولنا وللعرب كافة بغير سلامة ووحدة أراضيه. ولأن العراق هو الباب الشرقي المتأصل منذ القديم للأمة العربية، ولأن للعراق وزناً إقليمياً كبيراً، ولتاريخه منذ العصور الأولى للبشرية ودوره الفاعل في نشر الإسلام، وصد موجات الغزو؛ لذا كله لا يمكن حسم مشكلاتنا الاقليمية في دول الخليج، والتهديدات الموجهة لأمنها دون دور فعال للعراق. ** ** ** ولأنه سبق للعرب أن جدوا في وقوفهم مع الشقيقة ليبيا وأسهموا بفاعلية في إيقاف مجازر الحكم الجائر فيها، وها هم يعملون جاهدين لحل الأمر المعضل في سوريا، الذي نرجو أن ينتج عنه الانفراج واستتباب للأمن والسلام فيها، وشيوع الحرية والتئام الصف بين أهليها. لهذا كله لا أجد سبباً مقنعاً يجعل العرب يحجمون عن وضع ثقلهم في حسم ما يجري في العراق. ** ** ** أما مصر فإني شديد التفاؤل بأن مستقبلها سيكون مشرقاً، وتعود كما ينبغي لها أن تكون في موضع القلب للأمة العربية، والثقل في ميزان الوطن العربي كله. ومما يسعد النفس أن القوى السياسية في مصر كافة، سواء المجلس العسكري الذي يدير البلاد مؤقتاً، أو الأحزاب السياسية، أو مجلس الشعب، أو مرشحو الرئاسة، أو حتى معظم شباب الثورة كلهم يجمعون على ضررة العمل معاً لإعادة مصر لتحتل مكانتها العربية والإسلامية بل والدولية، ويدركون جميعاً - على وجه الخصوص - أهمية ضرورة تعميق العلاقة مع الشقيقة السعودية، كما يدركون أن إسرائيل تسعى جاهدة لنفث سموم الفتنة والتنازع والصراع بين جميع العرب، وهي تحرص على وجه الخصوص ألا يكون هناك تقارب بين المملكة العربية السعودية ومصر؛ لتبقى إسرائيل في مأمن عن المطالبة برد الحقوق المسلوبة لفلسطين والعرب، لكن مصر ومعها العرب كافة لن يسمحوا باستمرار ذلك التخاذل تجاه إسرائيل - كما كان سلفاً. ** ** ** من ذا الذي من العرب أو غيرهم لا يعرف قدر مصر، وتاريخ مصر، ووصاية الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين بمصر وأهلها، إذ إن فيها خير أجناد الأرض، ولها بنا صهر ونسب. إن من ينكر مكانتها، ويُشكك في أدوارها المجيدة عبر التاريخ فذلك لجهل يتملكه، أو ضحالة فكر تسيطر عليه، ومهما كانت الإدارة العليا في مصر ونظام الحكم فيها فإن مصر وطن عربي أصيل لا غنى لتقدم العرب بل وأمنهم عن دور مصر في تحقيقه. حفظ الله مصر، وحقق لأهلها ما ينشدونه، ولقد صدق حافظ إبراهيم حين تحدث على لسان مصر قائلاً: أنا تاج العلا في مفرق الشر ق ودُرّاته فرائد عقدي أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي نظر الله لي فأرشد أبنا ئي فشدّوا للعلا أي شدّ إنما الحق قوة من قوى الد يّان أمضى من كل أبيض هندي قد وعدت العلا في كل أبيّ من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي وارفعوا دولتي على العلم والأخ لاق، فالعلم وحده ليس يُجدي ** ** ** ما أسعدنا حين نرى بلادنا العربية كلها قد عادت لهدوء حالها، واستقرار الأمن فيها، وتشابك لحمتها، ودعوة بعض الكتّاب، ومنهم جمال خاشقجي إلى تكوين (مارشال عربي) يأخذ بيد كل الأقطار العربية ليتم بذلك تكافلهم، ثم نموهم، وازدهارهم ليكونوا قوة ضارية لا يستهان بها سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً دعوة جديرة بإمعان النظر فيها. إنها فكرة جديرة بالتحقيق، وما أجدر كل العرب أن يتماسكوا بأيد واحدة، وفكر واحد، وشعور خال من النزعة الطائفية أو التحزب والتعصب الإقليمي. إن هذا الذي أدعو إليه ليس ترفاً ولا أمراً ثانوياً لكنه ضرورة عصرية حتمية تلزم العرب جميعاً من أجل نجاتهم. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمِدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.