يحتار الإنسان عن ماذا يكتب في هذه المرحلة المضطربة في العالم العربي ، حيث إن تلاحق الأحداث ، وتضارب الرؤى ، وتنازع المصالح ، اختلطت أطيافها ، حتى أصبح المحلل السياسي في حيرة من أمره ، ماذا يُقدِّم وماذا يُؤخِّر من تعليقات حول ما يدور على الساحة. حروب أهلية ، وأزمات اقتصادية ، وانسحابات عسكرية ، واحتجاجات على كل المستويات. كل هذه الأمور تُعبِّر عن يقظة عامة تنشد الإصلاح وتتطلع لمستقبل أفضل بعد ركود ساد لعقود طويلة. دول مجلس التعاون الخليجي أفضل من غيرها بسبب الوفرة المالية التي شملت -بنسب متفاوتة- معظم فئات المجتمع ، والطفرة الحالية في الدخل والمشاريع التنموية تَعِدُ بالكثير في القريب العاجل -بإذن الله تعالى- إلا أن الاستحقاقات التنظيمية ما زالت تنتظر الأفضل. موجة الربيع العربي مر عليها عام منذ بدايتها ولم تكتمل الصورة النهائية التي ستكون عليها ، حيث إن الاستحقاقات كثيرة والعمل في سبيل تحقيقها يتعرض لتجاذبات وصراعات تنتظر الحسم بما يخدم مصالح تلك الشعوب ، ويسمح بانفراج في المنطقة يقودها للأفضل. ويأتي اجتماع قمة مجلس التعاون في أدق مرحلة تمر بها المنطقة ، والكل يُعلِّق عليها آمالًا كبيرة تعكس تطلعات الشعوب وتعطي أمل لانفراج في مسيرة العمل العربي. والبيت الخليجي به من التقارب في الرؤى والاستعداد للعمل الجماعي ما يؤهله للخروج بقرارات عملية تواكب متطلبات المرحلة، وتطمئن الجميع على مستقبل المنطقة. مصر أكبر دولة عربية كان المتوقع بعد إسقاط النظام السابق أن تكون الترتيبات قد أخذت مجراها بحكم المخزون التراكمي من التجارب مع وجود أعداد كبيرة من المختصين في الشؤون القانونية والدستورية ، ولكن الأوضاع تزداد سوءًا مع مرور الوقت رغم أن الانتخابات أجريت ، والنتائج أصبحت معروفة ، ولكن السجال الدائر بين الشباب والمؤسسة العسكرية المناط بها حماية مؤسسات الدولة أخذ منحى تصادمي لا أحد يعلم إلى أين سيجر ذلك البلد الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة ، وتفاقم الأزمة الاقتصادية بصفة عامة ، واستمرار الأزمة لا يخدم مصالحها في الداخل والخارج. في سوريا تتصاعد وتيرة الأزمة ، والجامعة العربية بذلت جهودًا كبيرة في محاولة تهدئة الأوضاع وإيجاد حلول مقبولة لكل الأطراف دون الاضطرار لتدخل خارجي ، على غرار ما حصل في ليبيا ، ولكن الأنظمة عندما تعجز عن احتواء مشكلاتها في وقت مبكر تكبر وتتحول إلى معضلة ؛ تبتعد عن الحلول بشكل توافقي بين الأطراف. ومن يفضلون البقاء في السلطة حتى لو كان الثمن دمارًا شاملًا يخطئون ، لأنهم سيذهبون ويبقى الوطن في نهاية المطاف. صدّام قال للعالم .. أنا أو الطوفان .. وهذا ما حصل .. ذهب وخلف وراءه عراق تنهشه أطماع المتربصين به منذ زمن طويل ، وسوريا لا أحد يعلم ما مصيرها بين إيران وتركيا وجوارها العربي. والمتمعن في معظم المجتمعات العربية يرى أن مقومات الانقسامات متجذرة فيها ، وأن وسائل اللحمة والاندماج لم تستطع التخلص منها على مر العصور ، ولذلك نرى ما يحصل في مصر وغيرها الآن عندما انفرط عقد الأمن ، وأصبح كل يدلي بدلوه ، وتغيب الحقيقة وأصوات العقل والحكمة ، في ضجة الصيحات المتعالية ، وهذا بلا شك لا يخدم أحدًا ممن يعيشون في وسط الأزمة .. ولا من يراقبها من الخارج في أرجاء العالم العربي. الأحداث -مع الأسف- مستمرة ومتلاحقة ، حتى يتعب الجميع من التناحر .. ومن بعد تبدأ الحسابات ، ويكتشف الجميع مدى فداحة الثمن ، وبشاعة الإصرار على التشبث بالسلطة ؛ عندما يقول الشعب للقائد ارحل ، مثلما هي هتافات المتظاهرين في أرجاء سوريا اليوم. وآخر القول: يا ليت القوم يعلمون!