يجوب الشوارع شباب شعرهم ثائر كلهم نشاط وحيوية مصطحبين معهم أشرطة بأصوات هائجة لا تدري ما يقولون يسمونها الغناء وذلك لإغراء الفتيات يتكرر هذا في كل شارع وفي كل زقاق وفي كل حي أصوات مزعجة إما غربية أو عربية بنكهة غربية كل ذلك من أجل إثارة الفتيات أو قل من أجل استثارة البنات كعمل صيادي الضبان الذين يضعون شكمان السيارة في جحر الضب فيخرج الضب يتخبط فيصطادونه ولكن بعد ما تسمم جسمه من الدخان الذي حشره ودخل جسمه من كل منفذ. رأيت الناس إذا مروا عليهم يشتمونهم ويلعنونهم وربما هددوهم أو اتصلوا بالجهات المختصة فقلت في نفسي: هؤلاء الشباب أبرياء وهم ضحية جهل البيئة وجهل البيت ولي مع هذا الصنف من الشباب صولات وجولات وكلها تكشف لي طيب معدن هؤلاء الشباب الأبرياء فمرة سقط عليَّ شابان ثائرا الرأس والأغنية الغربية تصدح فلمَّا وصلا الإشارة اضطرا للوقوف فوقفت بجوارهما وفتحت النافذة وقلت السلام عليكم الله يكون في عونكم لقد قتلكم الحب والعشق فما كان منهما إلاَّ أن خجلا وأسكتا المسجل وذهبا مسرعين يلوم أحدهما الآخر وفي إحدى المرات وفي الحي وقفت في وسط الزقاق فوقف صاحب السيارة فسلمت عليه فرد السلام فقلت له هل تحب فلم يرد عليَّ قلت: هل تعشق؟ فلم يرد عليَّ قلت له أجبني ليس الحب عيباً وليس العشق عيباً فالحب والعشق ليسا بيدك فإنما هو سلطان جائر لا إرادة لك في ذلك بل الإنسان السوي هو الذي يحب ويعشق فهذه غريزة في ابن آدم لا مفر له منها شاء أو أبى ولهذا قال عليِّ لك الأولى وليست لك الثانية يعني النظرة المفاجأة أمَّا إن أتبعتها بثانية فإنك سوف تتبعها بثالثة ورابعة ثم تتعب وتتعب من نظرت إليه ويأتي بعد ذلك الشقاء. ولهذا ورد ((من عشق وعف وكتم ومات فهو شهيد)) صحح هذا الحديث أبو الفيض الغماري في جزء مستقل مطبوع. ثم قلت للشاب الإسلام لم يحرم الحب والعشق فهو غريزة ولكنه هذب الحب والعشق فكان السابقون إذا أحبوا وعرفوا أنهم لا يمكن أن يتزوجوا بمن أحبوها أو عشقوها فإنهم يكتمون سرهم وربما مرضوا وربما ماتوا ولكن سرهم يموت معهم كما قال شوقي: لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السهم في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألم وقد تعرفت على رجال يشار لهم بالبنان ساروّني قائلين لقد والله قتلنا الحب ولمَّا علمنا أنه لا نصيب لنا من هذا الحب عن طريق الزواج صبرنا وجاهدنا أنفسنا ومرضنا بسبب الحب. قلت للشاب أنت تحب؟ قال: نعم قلت: فما معنى الحب عندكم؟ سكت: قلت: له معنى الحب أن تخرج معك الفتاة أليس كذلك؟ فسكت قلت: أليس الحب عندكم أن تراسلها وتراسلك ؟ فلم يجب قلت: بلى قلت: وإذا خرجت معك فما هي النهاية؟ لابد من وقوع المحذور لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ما خلا رجل و امرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان. فإذا خلوت بها فسوف يتم الجماع وتفسد عذريتها وتضيع سمعتها طبعاً انت لا يهمك هذا فهذه مسؤوليتها هي إذاً المسكينة هي ضحيتك. وإذا تعرفت عليها ثم امتنعت فإنك بلا شك تهددها وتعدها بعدم حصول شيء فإن هي امتنعت فإنك بلا شك فاضحها أليس كذلك؟ فأطرق قلت بلى: أليس كذلك قال: نعم قلت له وفضيحة بنت وعار أسرة بكاملها من أجل شهوتك ونزوتك هل هذه شهامة ورجولة أو هي خسة ونذالة أما سمعت المثل المصري الذي يقول: (اللي يحب ما يؤذي) فأي حب عندك وأنت تؤذيها ثم إنك شاب في النهاية أنك تهرب وتغير وضعك ثم تتوب ويتوب الله عليك ولكن المسكينة بقي العار عليها وعلى أسرتها وأنت المتسبب إذاً لماذا لا نختصر الطريق ونهذب حبنا ونرقى به إلى حب أرقى وأسمى به تستقر نفوسنا وبه تقر عيوننا وها أنذا أهديك كتاباً ليس له مثيل إنه (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) للإمام ابن القيم رحمه الله وافترقنا وذلك بعد جلسات عدة ثم غاب الشاب عني وبعد فترة وإذا بالشاب يدعوني لزواجه فسألته من هي السعيدة؟ قال لي جزاك الله خيراً فقد خطبت بنت فلان قلت لقد عوضك الله من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه فهي من أسرة موسرة ومحافظة وجمال يغنيك عن غيرها. هذا والله من وراء القصد.