في السادس والعشرين من مايو 2005، بعد ثمان وثلاثين سنة إلا عشرة أيام من اندلاع حرب الأيام الستة، في رسالة واضحة لرئيس حكومة إسرائيل، اقترح قائد فلسطيني منتخب اتفاق سلام، واعترافا تاماً بحدود 1967 وحلا متفقا عليه لمشكلة اللاجئين. إلى جانب هذه الرسالة، التي نشرت في «وول ستريت جورنال»، عبر وزير الخارجية الفلسطيني على صفحات «هآرتس» عن الاستعداد لإبقاء بضع مستوطنات على حالها لقاء تعويض حدودي مناسب. وماذا حدث؟ لا شيء. فديوان رئيس الحكومة صامت، ومهندسو «أوسلو» مشغولون بالانتخابات التمهيدية، و«السلام الآن» تلصق ملصقات تؤيد الانفصال. وتستطيع المفاوضات على التسوية الدائمة، الانتظار. يبدو أن الانفصال قد شوش على الذاكرة. فمثل خارطة الطريق فان خيط الانسحاب أحادي الجانب من غزة هو، حسب المقاييس، المشكلة لياسر عرفات. تم رفض التسوية الدائمة القائمة على أساس دولتين في حدود 1967 لصالح دولة في حدود مؤقتة من أجل ملء الفراغ السياسي، الذي استهلك أكثر من 3000 قتيل فلسطيني وأكثر من ألف إسرائيلي. قيل للجمهور، إن التسوية الدائمة ستنتظر إلى أن يختار الفلسطينيون على نحو ديمقراطي زعيما براغماتيا، يعلن عن محاربة العنف. باختصار، أحد ما مثل أبو مازن. لكن التوجه الذي فحواه الأمن والسلامة بعد ذلك، بقي على حاله حتى بعد انتخابه، وصيغة «الأرض مقابل السلام» أخلت مكانها للجدار والضم وللانسحاب التعسفي لقاء لا شيء. في المقالة المهمة، التي لم تحظ بانتباه في إسرائيل تقريبا، يعلن أبو مازن عن انه قد انقضت فترة التسويات المرحلية والاتفاقات الجزئية. انه يدعو ارئيل شارون إلى ترك السياسة أحادية الجانب وأن يبدأ فورا محادثات مباشرة «من أجل وضع حد على نحو نهائي لنزاعنا المأساوي». صحيح انه لم يعلن تخليه عن حق العودة، كما يتوقع بعضهم حتى قبل أن توافق إسرائيل على التحدث إليه عن إنهاء النزاع، أولم يقسم شارون قبل أسبوع على «أن القدس الموحدة»، وفيها الأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية، ليست خاضعة بأي شكل من الأشكال للمفاوضات؟. كتب أبو مازن بحق أن الزمن هو العدو الأكبر للسلام. الزمن هو العدو الأكبر للفلسطينيين الذين يطلبون الخلاص من الاحتلال وللإسرائيليين الذين يتمنون التخلي عن عبئه. منذ 1967، كما قال موشيه ديان، تنتظر إسرائيل مهاتفة من العرب. عندما وصلت المهاتفة، من الملك حسين مثلا، باقتراح لبدء محادثات سلام لقاء انسحاب من الضفة ومن شرقي القدس، لم تلذ آذاننا المهاتفة. لولا صدمة «يوم الغفران»، لكانت خطوط الهاتف إلى مصر مقطوعة إلى هذا اليوم. كانت الانتفاضة الأولى ضرورية لكي يهاتف اسحق رابين منظمة التحرير الفلسطينية. أنتجت الانتفاضة الثانية لأول مرة مهاتفات مصالحة من السعودية، وبعد ذلك من الجامعة العربية، أولاً في قمة بيروت وبعد ذلك أخيرا في الجزائر. لم تسمع القدس. والآن، تصم الجلبة، حول الانفصال، الآذان، ويخفى العجل الذهبي لأحادية الجانب الأفق السياسي الواضح الذي يعرضه أبو مازن. وفي أيام بحث عميق يبحثون ماذا سيحدث في سائر «المناطق» في اليوم الذي يتلو الانفصال. يبدو انه في الاكاديميا قد كفوا عن تصديق رئيس الحكومة، الذي يكرر إعلان انه ما دام في السلطة فان ما كان في الضفة الغربية على مدى 38 عاماً هو ما سيكون. قبل 38 سنة تسلطت إسرائيل هناك على 670 ألف فلسطيني، واليوم على 2,3 مليون إنسان لا يريدون سلطانها (وضمن ذلك القدسالشرقية). عندما يزعم أبو مازن أن الزمن عدو السلام فانه يريد أصلا التحذير من خطر انه في غياب تقدم سياسي في الطريق إلى إنهاء الاحتلال فسيصبح النزاع القومي نزاعا دينيا مسلحا، مع تأييد صندوق الاقتراع. وحسب كل الإشارات، يتمسك شارون باعتقاد أن الزمن يعمل لصالحه بالذات، وإن الذي يمسك بالخط، وهو جورج بوش، يبدو انه لم يقرر بعد من المحق. ٭ صحيفة هآرتس