آتي بهذا العنوان لأنني أفكر في جدوى الجلد للجزاء أو التأديب . ومرة أخرى أقول إن الجلد ضروري للمعاندين والمستهترين بالأنظمة وسلامة الغير. شخصيّا جربتُ الجلد بسبب مخالفة مرورية في الطائف في أول حياتي الوظيفية. وقلتُ للضابط إنني منتدب وأعمل في مكتب وزير المعارف ( آنذاك )، فلم يثنه ذلك عن تمرير الجزاء. لكنه خفف العقاب من عشرة أسواط إلى ثمانية. ولا أدري هل كان ذلك لكونها المخالفة الأولى، أو كوني أعمل في مكتب الوزير. وكانت المخالفة بسبب وقوف عرضي، مع وجود علامة ( لم أرها ) تشير أن الوقوف طولي فقط. واقعة أخرى في الرياض في التسعينات الهجرية من القرن الماضي. فقد كنتُ أعمل مترجما متعاونا مع هذه الجريدة زمان كانت في عمارة الدغيثر بالبطحاء. وكنت أسير في اتجاه الجريدة قرب وزارة المالية، وصادف إخلاء الشارع لقرب مرور ضيف، ولم أُلاحظ علامات أو أوامر تدل على ذلك الإخلاء ، فسرت في طريقي إلى أن استوقفتني وحدة مرور قرب الدوار ( على جنب .. ! ). وسألني الجنديّ لماذا أسير في وقت مرور الضيف، فأشعرته بعدم معرفتي بقرب مروره ( بسلامته )، ولم أجد من أشار لي بالوقوف ، ولم أسمع صفارة توحي بذلك. فاكتفى الشرطيُّ بأخذ الرخصة ، وطلب مني مراجعة مرور المربع في اليوم التالي. فوجدتُ ضابطا ذا أخلاق عالية، وسألني ( بدوره! ) عن سبب حجز الرخصة فأخبرته بما جرى. وخرجت ( دون جلد.. ! هذه المرة ). أعود لأقول إنني - في زمننا هذا - لا أوصي بالجلد للجنح، ما لم تكن بسبب كبائر نص عليها قرآن أو سنة. فزمننا أعطانا الوسائل الرادعة التي تجعل الجانح يراجع سلوكه ليل نهار إذا دخل اسمه الجهاز أو إذا لحقه غرامة تهزّ ميزانيات متعته. وتعلم السعودي منذ صغره أن الله - تعالى - شرع الحدود الزاجرة عن اقتراف الكبائر والمنكرات التي قد تميل إليها النفوس والتي في ترك فاعلها بغير عقاب فسادٌ لنظام المجتمع بأسره، ولذلك شرع الله العقوبة الدنيوية الزاجرة في أمور، ولم يشرع مثل ذلك في أكل الميتة وأكل لحم الخنزير مع أنهما محرَّمان واكتفى بالزاجر الأخروي في سائر الأطعمة والأشربة المحرمة. ثم إن الجلد تعترضه تحفظات بالنسبة للمرأة الحامل، والمريض والمعاق. ولا يعترض الغرامة شيء.