عند الساعة العاشرة من صباح يوم السبت وفي غرفة رقم 9 طوارئ المستشفى العسكري، تحولت شاشة جهاز تخطيط القلب إلى خط مستقيم وأصوات الأجراس تعلو القسم، وطبيب هناك لا يقدر على عمل طب عندها (توقف قلب أبي). هذا القلب الذي نبض قرابة ال90 عاماً قد ذاق من هذه الحياة حلوها ومرها، هم في أولها وشقاء في وسطها وصدقة وبحث عن محتاج وعفو عن مقترض وذكر وقراءة قرآن وإعمار وعمار للمساجد في آخرها، لقد انطفأ هذا السراج في 22/1/1433ه. هذه الحياة التي لطالما أنعشت روضة المسجد بالصلاة والسباق عليها، هذه الحياة التي لطالما علا صوتها في قراءة القرآن، هذه الحياة التي لطالما وصل فيها الرحم، هذه الحياة التي لطالما وقف فيها مع الفقير. إنك كنت في الحياة لشيء كبير، وأنه بعد فراقك لسوف يفقد الشيء الكثير، سوف يفقدك يا أبي ذاك الشيخ الذي اعتاد منك الصدقة في كل عام، وسوف تفقدك تلك العجوز التي تنتظر زيارتك لإيصال ما تجود به. عامل النظافة الذي كنت تبحث عنه لكي تناوله الطعام كل يوم ها هو ينتظر مجيئك. فقدك اخوتك الذين كنت تتلمس حاجاتهم وتقرع أبوابهم، لقد فقدك ابناؤك يا غالي.. في الجهة الشمالية من منزلك النساء والأطفال يبكون وينتظرون عودتك.. وهنا في الشرقي منه رجال يتلهفون لسماع درة من حكمك.. وهذه هي حالنا بعد فرقاك. وفي يوم عزائك بكاك الشيخ الكبير، والمرأة التي كنت تدمع لدمعها، والطفل الذي كنت تبحث عمّا يسليه. حضر في عزائك جمع لم نحصِ لهم عدداً أثنوا عليك خيراً وهتفوا لك بالدعوات، إنهم شهود الله في أرضه. كان أبي رحمه الله يختم القرآن كل ثلاثة أيام من رمضان ومرة في الشهر في سائر أيام السنة، وكان رحمه الله على إلحاح شديد منه علينا بالبحث عن موقع جديد لعمارة مسجد لجانب ما سبق عمارته في صحته. اللهم اغفر لوالدي وارحمه كما ربانا صغاراً، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وزوجاً خيراً من زوجه. اللهم اغفر لأبي وأجزه خير ما جزيت والد عن ولده خيراً. اللهم أرحم من اشتاقت له روحي وهو تحت التراب.