مليئة هي لغتنا العربية بالكثير من الحكم والامثال والاقوال الخالدة المأثورة التي تحمل في معانيها تجارب وخبرات من سبقنا من أجيال سواء كان سبقهم لنا زمنيا او علميا او فكريا. ومن تلك الحكم المأثورة مقولة « المستشار مؤتمن» ومعناها الذي افهم ان من طلبت منه المشورة فهو شخص قد حمل امانة الصدق والاخلاص في اسداء النصيحة وابداء المشورة دون النظر الى ما يتلقاه لقاءها – وان كانت مكافأته واجبة ومحببة - وقد تعني تلك المقولة ايضا أن المستشار شخص كفء مؤتمن والا لما طلبت استشارته! فطلب الاستشارة من شخص ما هو اعتراف غير مباشر منك –المستشير- برجاحة عقله وصدقه وامانته في اسداء النصيحة. وكلا المعنيين اللذين افهم بهما تلك المقولة جميل جدا ويحمل قيمة نتمنى الا تتلاشى من مجتمعنا الا وهي قيمة وخلق الامانة وتحديدا امانة التناصح بيننا كأفراد في المجتمع وبيننا وبين ولاة أمرنا تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم « الدين النصيحة...الخ». لكن الواقع المعاصر لكلمة «مستشار» والاستخدام الاجتماعي السائد لها قد جردها تقريبا من صفة « الامانة» والائتمان على النصيحة أو لنقل بان استخدامنا الاجتماعي لكلمة المستشار قد فصل بينها وبين خلق الامانة! فنحن نرى أنه عندما يحدث تقصير ما من قبل مسؤول ذي رتبة عالية او منزلة سامية أو عندما يحل رئيسا جديدا بدائرته فان ذلك المسؤول يتحول الى مستشار بالدائرة التي يعمل فيها فتجد المستشار في الادارة وتجده في الوزارة ليس ذلك فحسب بل وتجده في كل امارة الى غير ذلك من مؤسسات المجتمع كبيرة كانت ام صغيرة! وطبيعة عمل ذلك المستشار هي باختصار «لا شيء» ! اذ انه لا تطلب منه أي نصيحة ولا هو اصلا وضع في هذا المكان مظنة امانته في الاستشارة واخلاصه فيها. نوع آخر واستخدام عصري لكلمة المستشار – دون كلمة مؤتمن- نجده منتشرا في مؤسسات المجتمع التي تهدف الى احداث تغييرات ايجابية في أعمالها فنجد تلك الوزارة او تلك الجامعة او غيرها تستجلب فلانا للعمل مستشارا في مجال كذا وكذا وخبيرا في تلك وتلك الا ان هذا المستشار وامانته لا يقاسان الا بمقدار ما يدفع له! وقد يقول قارئ ان هذا حق طبيعي له فهو يقدم نصيحة في زمن تباع فيه المشورة والخبرة واقول هذه حقيقة وافهمها لكن لنسمه اذا «اجيرا» او «متعاقدا» او غير ذلك وليس مستشارا. وانا مرة اخرى اكرر اني اعلم تماما الاشتقاق اللغوي لكلمة « مستشار» كاسم مفعول وادرك ان الاستخدام اللغوي لا حرج فيه على الاطلاق و أعلم ان استخدامنا لها هو ترجمة حرفية لكلمة «consultant» والتي تحتمل ضمنيا الجانب النفعي المادي في استخدامها بالمجتمعات الغربية الا انني ارى ان الاستشارة يجب أن تبقى في مجتمعنا قرينة الامانة وان المستشار في أي مؤسسة اجتماعية يجب ان يبقى «مؤتمنا» أمينا صادقا مخلصا في تقديم المشورة لا ان يكون موظفا اقصى من مكانه بسبب او آخر او صاحب بضاعة علمية ماديا انتهازيا لاهم له الا قبض شيك الاستشارة. وخلاصة قولي: ان «المستشار مؤتمن» حكمة قد قضى عليها الزمن!