التعاطف لغة إنسانية ليس من السهل إتقانها. أن تملك القدرة على التعاطف مع الآخرين والإحساس بكل تفاصيلهم والتفاعل معها ومعهم يعني أنك وصلت لدرجة متقدمة من الإحساس بالآخرين. فالإنسان بطبعه مشغول بنفسه بتفاصيل حياته فهو يرى أن مشاكله أعظم المشاكل وأنه حين يبتسم يجب أن تبتسم كل الدنيا معه وكذلك حين يبكي يجب أن يبكي الآخرون لبكائه وحين يغضب يجب أن يغضب كل من حوله أو على الأقل يتفهمون سبب غضبه، وينسى في خضم انشغاله بنفسه أن الآخرين لهم مشاكلهم ومشاغلهم ولحظات فرحهم وساعات غضبهم. وانشغالك بنفسك لا يمنعك من الاهتمام بما يجري حولك ولا يقف حائلا بينك وبين التفاعل والاهتمام بالآخرين. لكن.. هناك شخصيات تفتقد لهذا الجانب الذي يعزز تواصلها الإنساني مع من حولها، فهي ولشدة انشغالها بذاتها لا تجد وقتا للآخرين، وهي شخصيات نعتبرها مزعجة وقد نسعى لتجنبها رغم أن وجودها في حياتنا حتمي ورغم أننا نضطر للتعامل أو التواصل معها لسبب أو لآخر، حيث يكون الحديث معهم ذا طرف واحد فأنت مجرد أذن متململة، فهناك من يتحدث معك ليسمع نفسه، وهناك من لا يجيد شيئا سوى الحديث عن نفسه، فأفق التفكير لديه محدود ودائرة الحديث عنده قطرها صغير لا يسعه إلا هو فقط، قد تجد في نفسك المساحة لأن تستمع وتنصب وتنشغل بهذا الآخر بكل ما فيه، لكن قد يمر وقت تحتاج لهذا الآخر... تريد منه أن يسمعك أن يتوقف عن الكلام والانشغال بنفسه لكنه لا يريد أن يتبادل الأدوار أو لنقل أنه لا يعرف كيفية التواصل، فهو لا يسمعك لذلك فإن ردوده عليك تدور في فلكه الشخصي الخاص فكل جملة تبدأ "بأنا" وتنتهي بأمر له علاقة به وما أكثر الأمور التي لها علاقة فيه. هؤلاء الأشخاص يدفعون الآخرين للانسحاب من حولهم بالتدريج، وقد يجدون أنفسهم يوما وحيدين، قد يلتفتون حولهم باحثين عن أذن تسمعهم أو شخص يتفاعل معهم فلا يجدون أحدا وقد يبحثون عن السبب، وهم لا يحتاجون أن يبحثوا بعيدا، كل ما عليهم هو أن يفتشوا في داخلهم وأن يتعلموا فن التواصل مع الآخرين قبل أن يندموا.