أرى أن الدهر وتقلباته هو فيض فلسفة تقول إن تنامي المستجدات والمخترعات المادية تخلق الحاجة إليها . وكأنها تحيك مؤامرة محكمة التخطيط والتنفيذ ضد الفرد العادي أو الفقير المحتاج . ومن ثم تخلق عبئا على الفرد فيصاب بالإحباط والعوز نتيجة الحاجة إلى تلك الماديات التي اقتحمت عليه حياته . فحاجة الزارع لم تكن سوى معدات تقليدية يدوية يصنعها بنفسه أو يستأجر من يصنعها ويوفّيه حقه – ربما – عند انتهاء الموسم . هذا المثل إذا تحدثنا عن الإنتاج . لا بنك زراعي ولا رهون ولا معدات تحتاج إلى المحروقات والصيانة الدورية. أما الأسرة السعودية فلم تكن ليأتي في بالها هاتف وكهرباء ونقّال وتلفاز وصحون استقبال البث الفضائي وعطور ومتطلبات الزينة والدعوات المنزلية والسيارة . كل هذا لا أراه عاملا من عوامل التوق والرغبة إلى مجارات الغير أو الحياة العامة في البلد فحسب ، بل أصبح ضرورة يتسبب فقدانها بالضيق والشدة ، حالة لا شك تقود إلى إخفاقات محسوسة في مسيرة المجتمع ، وخلق انعكاسات اجتماعية وأخلاقية وأمنية لم يكن المجتمع يعرفها قبلُ . وعبارة " فلان ماعليه " عادة يتداولها مجتمع قروي يمارس جل أفراده عملا إنتاجيا ، ولنقل الفلاحة . فهو يملك الأرض ( لم يرهنها ) ولديه من عوامل الإنتاج مايكفي حاجته ويدفع أجور عمالته بانتظام ، ويزوّد السوق بالإنتاج الزراعي . لكنه لا يملك الملايين .. هذا يقال له " ما عليه " . أحد قال إن معنى العبارة هو : ماعليه خوف .أي لا خوف عليه من العوز والحاجة . وآخرون قالوا إن العبارة تعني : ماعليه ديون من الديّانة الذين قد يذلونه بين حين وآخر بتذكيره باستحقاق الدين . قال محمد بن لعبون . حيّ المنازل تحيّة عين . لمصافح النوم ، سهرانه . ولاّتحية غريق الدّين . معسر أو وافاه ديّانه . والصورة توضّح أن الديون قديما لم تكن خيارا إلا لذي حاجة أو ضيق أو شدّة ، لكننا رأيناها في زمننا الحالي مستطعمة ومُعلن عن توفرها لمن أراد زخرفة منزل أو شراء سيارة أو أثاث ، وقيل إنها توفرت الآن لمن أراد أن يقضي فترات راحة واستجمام . يروى عن رجل جاء من القرى إلى مدينة الرياض لأول مرة وكان الوقت ليلا . وشاهد مبنى مضيئا كبيرا زمان كانت الكهرباء غير معممة . وسأل الغريب : لمن هذا المبنى ؟ . فأجابوه : لفلان . فقال الغريب : أثر ما عليه ؟ .