كشف مصدر مطلع ل «الرياض» أن السلطات الجزائرية المختصة تستعد لبدء مساع لاسترجاع أموالها العمومية التي هربت إلى بنوك أجنبية في سويسرا وفرنسا وأمريكا وكندا نهاية الثمانينيات وتضاعفت في أوج «العشرية السوداء»، حيث استغل مسؤولون في الدولة وشخصيات نافذة في أعلى هرم السلطة وأسماء معروفة في عالم المال والأعمال، ظروف البلد، من غياب شبه كامل للدولة وانعدام للرقابة وتدهور في الأمن، لنهب ثروات الجزائر وتحويل المال العام باتجاه بنوك العواصمالغربية. ويضيف المصدر أن الجهات المعنية بهذا الملف وعلى رأسها وزارة العدل والخارجية تعكف على تحضير طلبات رسمية توجه للحكومات الغربية التي حولت وهربت إليها الأموال المنهوبة من الشعب، أملا في استرجاعها. وفيما يجهل لحد الآن الرقم الحقيقي لقيمة الأموال العمومية المهربة إلى الخارج فإن خبراء الشأن المالي في الجزائر لا يستبعدون أن يقترب الرقم من 30 مليار دولار انطلاقا من الرقم القديم الذي كان الوزير الأول الأسبق عبد الحميد ابراهيمي كشف عنه نهاية الثمانينيات بعدما صرح أن ما يزيد عن 26 مليار دولار نهبت من الخزينة العمومية، تضاف إليها الأموال التي هربت زمن «العشرية السوداء» دون رقيب ولا حسيب. ويتوقع الخبراء أن تواجه الجزائر صعوبات في استرجاع أموالها المهربة، لسبب واحد وهو أن دولا كبرى عديدة توجد بها البنوك المستقبلة لأموال الجزائر المهربة، امتنعت عن توقيع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2003، ولم تصادق عليها سوى 23 دولة، وذلك حتى تكون هذه الدول في حلّ عن أي التزام بالتنسيق والمساعدة. وكانت الجزائر في خطوة احترازية تمكنها وتعينها على كسب تأييد ودعم وتعاون الدول التي توطن بها أموالها المهربة، سارعت إلى التوقيع على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تقف في وجه شبكات تبييض الأموال وتحد من استخدام البنوك كقنوات لتنظيف الأموال المشبوهة وتحث المصرفيين على التنسيق والتعاون من أجل مكافحة الظاهرة، من بينها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، كما أصدر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مباشرة بعد فوزه بعهدة رئاسية ثانية في أبريل 2004، مرسوما عجل من توقيع الجزائر رسميا على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2003. وكان بوتفليقة دعا في خطابه أمام العمال بمناسبة الذكرى المزدوجة لعيد العمال وتأميم المحروقات هذا العام، دعا الذين وصفهم ب «الناهبين». بإرجاع الأموال التي نهبوها قبل تقديمهم إلى القضاء. و كان مجلس الوزراء أصدر قبله بشهر قرارا يقضي بإنشاء هيئة وطنية مكلفة ب «الوقاية من الفساد ومحاربته» منحت لها صلاحيات واسعة من خلال منحها مهام التحري والكشف. ويندرج استعداد الجزائر استرجاع أموالها المهربة إلى الخارج مع ما أصبح يسمى في الإعلام الوطني ب «حملة الأيادي النظيفة» التي شرعت فيها الحكومة الجزائرية منذ أكثر من شهرين لمحاربة مظاهر الرشوة والفساد التي استشرت في مختلف دواليب الدولة لمحاسبة المتورطين فيها، وهي الحملة التي بدأت تظهر أول نتائجها عبر سلسلة من التوقيفات وإيداع السجن والوضع تحت الرقابة القضائية، طالت بعض رؤساء البلديات والدوائر والولاة ورجال أعمال ومستشارين في الدولة وأبناء وزراء ومقاولين ومديري مؤسسات وموظفين كباراً، بتهم الفساد والتزوير واستعمال النفوذ لتحقيق المصالح الشخصية. كما تتزامن مساعي الجزائر لاسترجاع أموالها المهربة إلى الخارج مع صدور قانون جديد لمكافحة الرشوة والوقاية من الفساد ومحاربته، يطرح قريبا للبرلمان ليتم المصادقة عليه، وهو قانون يقضي بإنشاء هيئة وطنية مكلفة بالوقاية من الفساد ومحاربته، تتمتع بصلاحيات واسعة في مهامها المتعلقة بالتحري والكشف، فضلا عن إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الآفة، ولا يقتصر نص القانون من الناجية الإجرامية على قمع الفساد بالمعنى الضيق، بل يوسع ليشمل مخالفات تحويل الأموال وتهريبها واستغلال النفوذ والابتزاز والتعسف في استعمال الوظيفة والثراء اللامشروع وتضارب المصالح وتمويل الأحزاب السياسية والتصريح الكاذب بالممتلكات.