اثناء اقلاع الطائرة من مطار جدة اردت الانشغال بقراءة الجريدة فإذا بي أمام إعلان مثير جداً من وزارة الصحة ضد المركز الطبي للعلاج بالاعشاب؛ نظراً للتجاوزات التي قام بها هذا المركز وتحديه لتعليمات الوزارة واقدامه على الاستمرار في علاجاته واصراره على ممارسة هذا الدور واغرائه للمرضى بوجود علاجات عشبية لعدد من الامراض المستعصية ونشره اعلاناً في جريدة محلية يتحدى فيه قرار وزارة الصحة بمنعه ويستعرض اسماء قام بعلاجها وشفيت من امراضها. فاختارت وزارة الصحة ان يكون ردها اعلانياً ودولياً فنشرت صفحة كاملة في جريدة العرب الدولية لردع صاحب المركز الطبي الذي يعالج بالاعشاب من الاستمرار في (غيه، وخداعه، وتحديه).. ولتحذير المواطنين والمقيمين من (خزعبلات) و(شعوذات) هذا المركز وقد نجح الاعلان في تبديد مخاوفي من ركوب الطائرة وزاد من مخاوفي ألا تملك وزارة الصحة لمنع هذا المركز غير ان تنشر اعلاناً دولياً (هو في اعتقادي الاول من نوعه) في هذا المجال. نقل المعركة خارجياً لم يسكت صاحب المركز الطبي على إعلان وزارة الصحة (التحذيري، الدولي) فقرر بالتخطيط او بالمصادفة ان ينقل المعركة خارجياً وينقلها بالصوت والصورة والادلة التي يملكها في ارشيفه داخل المركز.. فقد فوجئت بعد عودتي بيوم واحد بصاحب المركز الطبي - المتهم - من قبل وزارة الصحة بالخروج على التعليمات يظهر في برنامج تلفزيوني مطول على احدى القنوات العربية (مما يوحي بأن غبار المعركة قد انتقل من صفحات الصحف المحلية ومن اعلاناتها المتبادلة واتهاماتها المباشرة وغير المباشرة الى خارج الحدود، والى شاشات التلفزيون العربية) وهو تصعيد خطير ربما كان في الصالح العام (صالح صحة الناس) او ضد الصالح العام (ضد صحة الناس).. واغرب شيء ان الصحافة غائبة عن هذه القضية او انها لاتتابعها عن قناعة او عن عدم قناعة وقد اختطفت كلمتين عابرتين من الدكتور صاحب المركز ان هناك من هاجمه لأن لديه 13 صيدلية ولدى زوجته صيدليتان وانه يخشى من كساد الادوية في صيدلياته لذلك هاجمه، وخلاصة الامر ان صاحب المركز الطبي للعلاج بالاعشاب مقاتل شرس. واثق من نفسه ومن اعشابه ويملك امكانات مواجهة غير عادية بدليل ماجرى وماحصل وكيف انه نقل المواجهة من الساحة المحلية الى الساحة العربية واختار الساحة التلفزيونية هذه المرة... ونرجو من صاحب المركز الطبي للعلاج بالاعشاب (الا يشتاط غضباً) من كل من ينتقده وينتقد معجزاته الشفائية فحتى الآن لم يثبت شيء يؤكد نجاح هذه المعالجات وعليه ان يصبر على منتقديه الى ان تنتشر نجاحاته ونرجو الا يظن ان وزارة الصحة عدوه الاول فوزارة الصحة لاتملك صيدليات تجارية وهي تتمنى لو خفف استهلاك المرضى للنصف وخفف عدد المرضى للثلث بفضل وصفاته ومعجزاته العشبية ولن تتأخر منظمة الصحة العالمية في تكريمه - على مستوى العالم - ومنحه اعلى الاوسمة، فمن يصدق ان هناك مركزاً طبياً يعالج بالاعشاب - التي هي الاساس - كل هذه الامراض المستعصية وغير المستعصية والتي عجز عن علاجها الاطباء والتي يحاول فيها الاطباء ولم يوفقوا حتى الآن، وليس امام صاحب المركز الا الصبر - بعض الوقت - ليكسب جولة العمر والتاريخ او نخسر نحن جميعاً.. حكايات من الذاكرة الصحفية ودون ان نكون (مع او ضد) فإن الذاكرة الصحفية تحتفظ ببعض الحكايات - غير السارة - عن الاطباء الذين يخرجون من تحت الارض - كما النبت الشيطاني - ويحملون معهم معجزات الشفاء فترة من الوقت ثم يختفون او يتوارون عن الانظار.. الحكاية الاولى: ذهبت مع زميل يعمل في الحقل التعليمي الى دكان في قلب جدة التاريخية يبيع صاحبه صنوفاً مختلفة من الادوية العشبية المبتكرة ولكل صنف دواء لايختلف عن غيره: اعاني من آلام في الصدر فتخرج من الباب الداخلي للدكان قارورة بها عسل، العسل به خلطة اعشاب، والثمن في حدود الثلاثمائة ريال (تنقص قليلاً ولاتزيد كثيراً).. يأتي شخص آخر يشكو من آلام شديدة في البطن، او الظهر، او الرأس، او الجانب الايمن، او الجانب الايسر فيطرق صاحب الدكان الباب الداخلي فيفتح برفق، وتمتد يد من بالداخل تحمل نفس القارورة ويتم اخذ نفس الثمن تقريباً وهكذا.... زميلي - هذه هي المرة الثالثة التي يأتي فيها - وحصل على نفس القارورة عسل بالاعشاب او اعشاب بالعسل ودفع نفس الثمن تقريباً والقارورة ليست له انما لشقيقه الذي يعاني (من فيروس كبد وبائي).... وتقول الفحوص الطبية انه لم يتقدم خطوة واحدة نحو الشفاء.... اثناء تحضير القارورة والنقاش الذي دار بين صاحب الدكان المتنور و المتعلم - والذي يطلقون عليه ثلاثة - القاب (الاستاد، والدكتور و الشيخ) انتهزت الفرصة وتجولت بعيني (في فاترينة الدكان على الجانبين) فقرأت مجموعة من الشهادات للمرضى مكتوبة على ورق ابيض وورق اسمنت وبالآلة الكاتبة تعبر عن شكرها لأنها شفيت من امراضها: شهادة ولادة بعد عقم، شهادة نوم بعد توتر، وشهادة قوة بعد ضعف، الخ... الخ.. الخ ووجدت من الضرورة ان اضيف لصاحب الدكان لقب (بروفيسور) وهو لقب يستحقه عن جدارة فقد رأيت بأم عيني كيف يصف العلاج السحري لكل من يأتي الى دكانه، ويشكو له من حالة مرضية معينة، وكيف يطرق طرقاً خفيفاً على الباب الداخلي فيحضر الدواء على الفور ويمسك البروفيسور بقارورة العسل العشبي، او العشب العسلي، ويقدم التعليمات للمريض بكل ثقة، واقتدار فيخرج المريض مسرع الخطى وقد جاء الى الدكان - قبل لحظات - بطيء الخطوات.... وعندما ابديت ملاحظتي لزميلي قال ضاحكاً ان (القارورة هي القارورة) لاتختلف ولاتتغير وربما الثمن هو الذي يتغير فإن البروفيسور له نظرة في مريضه وانتهزت زيارتي للبروفيسور - وقتها - بأن كتبت موضوعاً صحفياً اشير فيه الى هذا البروفيسور الذي يعمل وينجز ويعالج على الرصيف وحاولت ان اشرك وزارة الصحة في الامر (اما ترفع من شأن هذا البروفيسور او تحمي المرضى من وصفاته الساحرة) لكن احداً في الوزارة لم يتحرك واعتبرت الموضوع من ناحيتي منتهياً فقد كان لهذا البروفيسور صولات وجولات في الصحف اكد خلالها قدراته في علاج كل الامراض المستعصية وانه توارث ذلك أباً عن جد او ورث هذه العلاجات اباً عن جد ولم يرد عليه احد في وزارة ا لصحة في تلك الايام والشهور والسنوات....؟ الحكاية الثانية غادر طبيب (الاسياخ الملتهبة) مدينته الى عروس البحر.. ونما الى اذان احد الصحفيين وصول هذه (الطبيب الساخن) الى جدة فطار اليه (في ليل اظلم).. وفتح الطبيب صدره للصحفي وقدم له مجموعة نماذج من قدراته (الخارقة الحارقة) في علاج عدد محترم من الامراض المستعصية التي فشل فيها الاطباء وفي ظرف ساعات كان طبيب (الاسياخ الساخنة) مشهوراً وكانت المكالمات الساخنة تنهال على المطبوعة التي نشرت التحقيق المثير رغبة في علاجهم او علاج اقاربهم وفي آخر الاسبوع أوقد الطبيب النار وبدأ في استقبال مرضاه... وامضى شهر عسل امتد عاماً ونصف العام اشترى خلاله (مطبخ مندي) بجواره في سبيل ان تظل اسياخ الحديد حامية كل الوقت ومن اجل ان تظل النار مشتعلة كل الوقت وبعدها اختفى تدريجياً ونقل لي زميل عزيز ان هذا المعالج ترك ضحية في المدينة التي جاء منها الى جدة، ويجوز ان يكون قد ترك ضحية قبل ان يختفي في جدة لكن من زاروه يقولون انه يحتفظ بورقة تبيح له حرق ظهور المرضى وصدورهم ورؤوسهم وايديهم واقدامهم وان الورقة (بليت) من الترحال من جهة ومن تغيير (البراويز) من جهة ولم يسأل كاتب التحقيق عن اسباب واسرار غياب هذا الطبيب المعجزة الذي ليس هو الاول وليس الاخير.. الحكاية الثالثة: طبيب الزجاج (وهو طبيب شعبي اختار خارج المدينة ليمارس قدراته الخارقة في علاج جميع ذوي الامراض المستعصية على ايامها) على ان يراعى المرضى الخروج اليه في موقع عيادته المفتوح في الهواء الطلق وان يقيموا قريباً منه اذا رغبوا في العلاج على يديه... وقد روى زميل انه مع عدد من افراد العائلة (قد شدوا الرحال) اليه خارج المدينة حيث ينصب مخيمه العلاجي ويستقبل ضحاياه، ويغرس في ايديهم واذرعهم واكتفاهم واجزاء من جنوبهم وظهورهم قطع زجاج البيبسي ليعالجهم من امراض العصر المستعصية والمعقدة والمزمنة على طريقة النشيد العربي الخالد (فإما الحياة وإما الردى).... وكان الراغبون في الشفاء يأتون الى (طبيب الزجاج) من كل مكان فهو يعالج (الضغط، والسكري، والصداع النصفي) وبقية الامراض المستعصية عن طريق كسر قارورة البيبسي (قوارير الكاكولا كانت ممنوعة ايامها) وغرسها في أماكن من جسد المريض حسب رؤية الطبيب المعالج ليزداد عدد الضحايا بينما كان (الامل) في شفائهم... وإذا قدر لأهل المريض الصبر وللمريض الصمود فإن مراجعة الطبيب واستشارته تكون (مستعصية) الى ان يكتب للمريض البحث عن علاج لدى طبيب آخر خارج القائمة (اذا كان قادراً على الحركة او كان اهله قادرين على النقل)... او تطوى - في وقت واحد - صفحة المريض من جهة وصفحة طبيب المعجزات الخارقة من جهة ثانية... الوافدون ودور الصحافة وكما اخذ المحليون نصيبهم من العلاج بالاعشاب والثوم والعسل والزجاج المكسور والاسياخ الحامية اخذ الوافدون نصيبهم ايضاً حيث وفد الينا ادعياء الطب العربي القديم وباشروا مهامهم (التي يعتبرونها انسانية بحتة).... ونشروا عن طريق معارفهم المحليين قدراتهم الخارقة في علاج الامراض المستعصية بدءاً من الكبد الوبائي مروراً بأخطر الامراض واشهرها والتي عجز الطب الحديث - حتى الآن - عن اكتشاف علاج لها فجمعوا المال من ضحاياهم وغادروا ارض الوطن بسلامة الله ويأتي غيرهم وهكذا... وكما ساهم مواطنون ومقيمون في انتشار هذه الاوهام ساهمت الصحافة في انتشارها بعدم - قدرتها - على المكافحة والتصدي واقصد بالصحافة العربية وليست المحلية التي فتحت (قلبها وصدرها) لكل (خزعبلات) هؤلاء على اساس كشفهم ومواجهتهم بالحقائق فإذا هم يكسبون الدعاية لانفسهم ويحققون الرواج لخلطاتهم السحرية. وها نحن اليوم امام ادعاءات علاجية لو تحقق ربعها لكان انجازاً للبشرية لن تنساه ابداً....