هناك أمور مهمة لوضع التنمية على مسارها الصحيح بتوجيه من هذه القيادة الحكيمة ومن أهمها حسن اختيار القادة والمديرين والمسؤولين، ومواصلة القضاء على الفساد بأنواعه فلا تنمية مستدامة في ظل الفساد، ذلك الداء الذي ينخر في أجسام الأمم والحضارات حتى يسقطها قبل أكثر من أربعين عاماً كان لدينا خطط جميلة وطموحة، أتذكر جيداً ذلك الشاب الذي كان ينتقل من وزارة إلى أخرى حاملًا ملفه الأخضر، يبحث عن وظيفة ولو براتب مئتين وخمسين ريالا والذي كان يدفع في ذلك الوقت لمن يعمل بوظيفة مستخدم، وإذا به يقرأ عن توفر وظائف كثيرة في وزارة الدفاع لتأهيل فنيين يعملون في صيانة الطائرات، تقدم بملفه الذي ما كان يحوي سوى شهادة أول متوسط وعزيمة لا تلين وتصميم على الصبر والمثابرة، تم إلحاقه بمعهد الظهران الفني التابع للقوات الجوية، وتم التركيز على اللغة الإنجليزية وتخصص في محركات الطائرات وتخرج برتبة وكيل رقيب وابتعث إلى الولاياتالمتحدة لمزيد من الدراسات، وحصل على مرتب يعادل عشرة أضعاف ما كان يبحث عنه أيام الملف الأخضر، وتم إسكانه في سكن جميل داخل القاعدة، يذهب أبناؤه كل صباح إلى المدرسة، وفي المساء يمارس الرياضة مع أبنائه في صالات مغلقة. مثل هذا الشاب استوعبته مشاريع أخرى عملاقة في كلّ من الجبيل وينبع خطط لها وأنجزها رجال مخلصون وحكومة لم تتوانَ عن تنفيذ ما ينفع المواطن ويدعم الاقتصاد، وقبل ذلك كانت صحراؤنا شاهداً حيّاً على معجزة بناء شركة أرامكو التي تمنيتُ لو تكررت في أكثر من مجال. أعلنت قبل أيام أرقام الميزانية الجديدة حاملة معها الكثير من المخصصات والبنود التي استبشر بها المواطن، لكن مالم تحوّل تلك البنود والمشاريع إلى أرقام بعدد ما ستؤمنه من وظائف للمواطنين وليس للوافدين، وعلى الأخص في القطاع الخاص، فستكون النتائج محدودة والفائدة قليلة. لدى المملكة ميزتان كبيرتان لو تم استثمارهما لعاشت المملكة في بحبوحة حتى بعد انتهاء عصر النفط بعد عشرات أو مئات السنين ، الميزة الأولى أن معظم مواطنيها هم من الشباب وهؤلاء هم الطاقة الهائلة والرصيد الذي لا ينضب متى ما تم تعليمهم وتدريبهم، وخلق وظائف تناسبهم، والميزة الثانية هي ما حباها الله من وفرة مالية وموقع متميز وأماكن مقدسة لا توجد عند غيرها، وهذا ما يجعلني أقول إن خلق وظائف للشباب من الجنسين يجب أن يكون له الأولوية على ما عداه من الأولويات.. ومن هنا أسوق المقترحات الآتية: 1.المشاريع السابق ذكرها قام بها رجال مخلصون خططوا وعملوا بكل إخلاص وهمة وشجاعة، واستعانوا بحكومات وشركات أجنبية قوية حتى تكون البداية قوية ومن حيث انتهى الآخرون، لذا لابد لنجاح أي مشروع من وجود المخلصين من القادة والمديرين، ووجود الخبرات الأجنبية في البداية، على أن يكون من أهم شروط المشاريع تدريب وتوظيف الشباب بمرتبات مجزية مع التركيز على الابتعاث حتى يؤهل المواطن بالشكل المناسب مع استمرار التدريب والدورات داخل المملكة وخارجها. 2.المشاريع الكبيرة التي تمولها الدولة وينفذها القطاع الخاص يجب أن تكون الأولوية فيها لخلق الوظائف وتقديم الخدمات على أرقى مستوى، وأتساءل في كل مرّة أرى هذه المشاريع التي قامت في عهد الملك عبدالله - يحفظه الله - كجامعة الأميرة نورة، ومشروع الملك عبدالله المالي، كم عدد وظائف المواطنين التي تم استحداثها أثناء البناء وبعده؟ وخصوصاً في مجال الصيانة التي يمكن أن تستوعب آلاف الخريجين من كليات التقنية لولا رخص مرتبات الوافدين وعدم اهتمام القائمين على إرساء المشاريع بأولوية توظيف الشباب. 3.هناك مشاريع كبيرة ومتعددة تنتظر التنفيذ سواء في الخدمات أو الصناعة أو في مجال التدريب والتعليم، وهذه يمكن أن تكون على غرار سابك وأرامكو من حيث جودة التنفيذ وخلق وظائف بمرتبات مجزية لو تم البدء بها وفي قمة أولوياتها جودة التنفيذ وتوظيف المواطنين، والبدء من حيث انتهى الآخرون، ومنها على سبيل المثال لا الحصر النقل العام الذي صار يشتكي منه كل مواطن ووافد، وصار يستهلك الوقت والجهد ويحصد الأرواح، هذا المشروع من الممكن أن يخلق آلاف الوظائف إضافة إلى توفير بلايين الريالات بسبب ما يهدر من وقت ووقود، وما تفقده البلاد من أرواح وما تكتظ به المستشفيات من مصابين أهم أسبابها الحوادث. 4.أكثر ما أضرّ بالتنمية في المملكة وأوجد البطالة بين الشباب هو العمالة الرخيصة والمقاولون الذين همهم الوحيد الفوز بالمناقصات، والمسؤولون الذين يبحثون عن أرخص العطاءات، وبعد رسوّ المناقصة تنفذ المشاريع بعمالة وافدة وبمواصفات أقل من المطلوب ما يفرغ مشاريع الدولة من أهم ميزاتها وهو خلق الوظائف المجزية للشباب وتدريبهم، وجودة التنفيذ.. لقد أصبحت مشاريعنا الكبيرة مجالاً ممتازاَ لتدريب العمالة الوافدة التي تعود لبلادها وقد اكتسبت المال والخبرة. هناك أمور مهمة لوضع التنمية على مسارها الصحيح بتوجيه من هذه القيادة الحكيمة ومن أهمها حسن اختيار القادة والمديرين والمسؤولين، ومواصلة القضاء على الفساد بأنواعه فلا تنمية مستدامة في ظل الفساد، ذلك الداء الذي ينخر في أجسام الأمم والحضارات حتى يسقطها، وأخيراً لابد من الاستعانة بالخبرات الأجنبية من الدول المتقدمة فهي التي ساهمت في بناء أكثر مشاريع المملكة نجاحاً منذ تأسيسها، ولابد من إعادة النظر في نظامنا المالي الذي يبحث عن أقل العطاءات فقط دون النظر إلى توظيف الشباب وجودة تنفيذ المشاريع.